حتى القوى العظمى في العالم رأت أنه من المجدي الدخول في تكتلات إقليمية من أجل إدارة العولمة وما ينتج عنها من تنافسية. أما البلدان العربية ورغم ما يتاح لها من مقومات التعاون والتكامل ومنها اللغة المشتركة والإرث والتاريخ الحضاري والثقافة المشتركة والتجاور المكاني، فهي لا تزال تواجه فرادى تحديات العالم الخارجي ومتطلبّات العصر المتزايدة، في ظل مخاطر جسيمة، مزمنة وطارئة، تداهمها وهي في مهب التشرذم والانقسام.
هذا التقرير يهدف إلى إحياء مشروع التكامل العربي كوسيلة لا غنى عنها في تحقيق نهضة عربية شاملة يكون قوامها الحكم الديمقراطي الصالح الذي يضمن حق كل إنسان في العيش الكريم والرفاه المادي والمعنوي، شرطاً للكرامة الإنسانية. ومشروع التكامل الشامل الذي يدعو إليه التقرير لا يأتي للانتقاص من مشروعات التكامل الاقتصادي التي عكفت عليها الدول العربية، وإن كان بنجاحات محدودة، منذ أواسط القرن الماضي، بل يدعو لاستكمالها وتوسيعها لتشمل جميع البنى السياسية والثقافية والتربوية فيقرّب بين نظم العمران العربية حتى تلتئم في منطقة واحدة للمواطنة الحرة العربية تمكِّن كل عربي من حقوق المواطنة الكاملة في جميع بلدانها. كما أن الدعوة إلى إحياء التكامل العربي لا تأتي لتعزل العالم العربي عن محيطه الطبيعي والعالم من حوله، بل لتوطد العلاقات الاقتصادية مع الكتل والتجمعات الأخرى في العالم، ولتوثق التفاعل مع سائر الحضارات الإنسانية، ينهل منها ويغنيها.