تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

نحو العدالة والمساواة للنساء في المنطقة العربية

2 شباط/فبراير 2015
القاهرة، مصر



كلمة معالي الدكتورة ريما خلف

وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا

في المؤتمر العربي الرفيع المستوى حول التقدم المُحرز في تنفيذ إعلان ومنهاج عمل بيجين بعد عشرين عاماً: نحو العدالة والمساواة للنساء في المنطقة العربية

معالي الدكتور نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية،

معالي السيدة فومزيلي ملامبو نغكوكا (Phumzile Mlambo-Ngcuka)، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة،

أصحاب المعالي والسعادة ممثلي الدول،

الحضور الكريم،

يُسعدني أن أشارك معكم في افتتاح هذا المؤتمر العربي حول التقدّم في تنفيذ إعلان بيجين ومنهاج العمل لتمكين المرأة، بعد مرور عشرين عاماً على اعتمادهما.
أعرب بداية عن تقديري الكبير لشريكينا في هذا المؤتمر، جامعة الدول العربيّة وهيئة الأمم المتحدة للمرأة. وأتقدم من معالي الأمين العام للجامعة بجزيل الشكر لرعايته أعمال هذا المؤتمر، ومن المديرة التنفيذية للهيئة بوافر الإمتنان لحضورها ودعمها المتواصل لجهود تمكين المرأة في المنطقة العربية. وأشكر صندوق الأمم المتحدة للسكان- المكتب الإقليمي- لمساهمته في دعم تنظيم هذا المؤتمر.

كما يسعدني أن أُرحب بكم جميعاً، وفوداً رسمية وممثلي منظمات إقليمية ودوليّة ومجتمع مدني، وأن أعرب لكم عن بالغ تقديري لنشاطاتكم المؤازرة للمرأة العربية والتزامكم بقضاياها وحقوقها الإنسانية.

الحضور الكريم،

قبل عشرين عاماً، وضع المؤتمر العالمي الرابع للمرأة في بيجين رؤية لتحقيق المساواة بين الجنسين ولضمان حقوق المرأة. واتفق قادة العالم عندئذ، ومعهم منظمات المجتمع المدني، على أسس ومبادئ لتمكين المرأة وتعزيز حضورها في الاقتصاد والمجتمع والحياة العامة. وحدّدوا معاً إجراءات للتنفيذ، ومؤشرات عملية للمراجعة والتقييم.

وقد التزمت الدول العربية بمنهاج عمل بيجين، وحقّقت تقدماً ملموساً في مختلف المجالات؛ فسُنّت القوانين وعدّلت التشريعات بهدف تحقيق المساواة بين المرأة والرجل، والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والفتاة، وحماية المرأة والطفلة من العنف بمختلف أشكاله، ومكافحة الإتجار بالبشر، وبخاصة النساء والفتيات.

إنجازات كثيرة تحققت في التعليم والصحة، في الانضمام إلى الاتفاقيات الدوليّة، في وضع الخطط والاستراتيجيات والبرامج وتخصيص الموارد الماليّة والبشريّة لتنفيذها، وفي تشكيل آليات مؤسّسية وطنية معنية بقضايا المرأة. والتحية هنا واجبة لهذه الآليات التي كان لها دور محوري في تحقيق هذه الإنجازات والتي ما انفكت تناضل من أجل إبقاء قضايا المرأة على أجندة العمل الوطني ، رغم كثرة المصاعب والتحديات التي تواجهها في عملها.

الحضور الكريم،

على الرغم من هذه الإنجازات والجهود، إلا أن الدرب أمامنا ما زال طويلاً. فلا تزال شرائح واسعة من النساء العربيات تعاني من الفقر والتمييز والتهميش. ولا تزال المرأة التي حققت تقدماً في التحصيل العلمي، أوّل وأكثر من يعاني من البطالة. ولا يزال متوسط مشاركتها في العجلة الإنتاجية الاقتصادية وفي صنع القرار السياسي من أدنى المستويات في العالم. وذلك، رغم تنامي قدراتها ومشاركتها من مواقع ريادية في حركات التغيير والإصلاح التي شهدتها الأعوام الماضية.

ولا يزال العنف من أشد المخاطر المسلطة على حياة المرأة وسلامتها في الدول العربية. فكل يوم تطالعنا قصص وصور مفجعة لمعاناة المرأة الفلسطينية تحت احتلال غاشم يستنزف حياتها وينتهك حقوقها بتعديّات تزداد إيلاما مع كل حصار، وهولاً مع كل عدوان. انتهاكات لا تستثني أحداً، حتى الأطفال. يُقتلون في غزة، يختطفون ويحرقون أحياء على يد المستوطنين الإسرائيليين في مدن الضفة الغربية وقراها. ويعتقلون ويعذبون على يد قوات الاحتلال. وها هي الطفلة ملاك الخطيب تنضم إلى لائحة الأطفال الأسرى لتصبح أصغرهم، وقد رمى بها جيش الاحتلال الإسرائيلي في سجونه، كعادته، غير عابئ بالمواثيق الدولية أو بحماية الطفولة.

ويشتدّ العنف ضد المرأة في الحروب والنزاعات المستعرة التي تفتك بأكثر من بلد عربي. تطالعنا صور الأم السورية والأم العراقية الثكلى، والفتاة التي تُحرم من الكتب ومقاعد الدراسة، وتقبع في مخيمات اللجوء فريسة لأبشع أنواع الاستغلال والسبي والاستعباد، ويصبح مستقبلها على قارعة الخوف والجهل والحرمان.

وتتسع مساحة العنف ضد المرأة مع استخدامه أداة لتحقيق مآرب سياسية ولإعاقة مسيرة التغيير والتحول الديمقراطي. فها هي الناشطة السياسية سلوى بوقعيقيص تقتل بدم بارد في ليبيا بعيد تصويتها في الانتخابات البرلمانية. وها هي الشابة المصرية شيماء الصباغ تسقط مضرجة بدمائها في محيط ميدان التحرير؛ تحمل باقات الورد لتخليد ذكرى شهداء انتفاضة 25 يناير، فتلحق بهم.

في كل يوم وجوه نسائية تغيّب وأفواه تكمّم، وقد تواطأت عليها أحكام الجهل والاستبداد، وحاصرتها المعابر، وأسرتها القيود والمعتقلات.

واقع مرير تعيشه المرأة العربية اليوم لا يقتصر ضرره عليها فحسب. واقع يدين المجتمع بأسره، ويضرب مصداقية أنظمته ومؤسساته، ويعطل طاقاته ويعوق مسيرته التنموية. واقع يحلو للبعض تفسيره، ظلماً، بتاريخ منطقتنا وبثقافتها. فالناظر إلى تاريخ هذه المنطقة العريقة لا يخفى عليه أن المرأة تولت قيادة الممالك والأمم، وسارت بها إلى عصور من التألق والنور، من تدمر إلى سبأ؛ وأن شعراءها تصدّوا للتنميط المجحف بحق المرأة قبل أكثر من ألف عام على إعلان بيجين.

ولنا في قصائد أبي الطيب مثل ملهم عندما أنشد:
لوْ كانَ النّساءُ كمَنْ فَقَدْنا .. لفُضّلَتِ النّساءُ على الرّجالِ
وما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ ولا التذكير فخرٌ للهلال

وحضوركم اليوم في هذا المؤتمر دليل إيمان بقضايا المرأة وحقوقها الإنسانية، وبرهان على التمسك بقيَم العدالة والمساواة الراسخة في ثقافتنا وتاريخنا. قيم لن تنتزعها من أذهاننا ضروب العنف والتطرّف التي باتت تهدد مستقبلنا وما أنجزنا على مدى عقود من الزمن.

الحضور الكريم،

سيجتمع العالم في شهر آذار/مارس المقبل في مقر الامم المتحدة في الدورة التاسعة والخمسين للجنة المرأة، لاستعراض التقدّم المُحرز في تنفيذ إعلان بيجين ومنهاج عمله.

وإذ نستعدّ اليوم لهذا الاجتماع المهم بتقاريرنا الوطنيّة والاقليميّة الحافلة بالإنجازات وبواقعنا المثقل بالتحديات، فلنعقد العزم على بناء مستقبل واعد لفتياتنا في أمة ناهضة تحقق الحياة الحرة الكريمة المنتجة للجميع. ولنمض وراء آمالنا وأحلام شعوبنا، مسترشدين بما تزخر به ثقافتنا من قيم، في مسيرة بناء النفوس قبل النصوص على أسس المساواة والعدالة واحترام حقوق الإنسان.

وشكراً.

الأمين التنفيذي: