وكيل الأمين العام للأمم المتحدة
الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)
في اليوم العالمي للمرأة
بيروت، 6 آذار/مارس 2018
أصحاب السعادة سفراء الدول وممثلي السلك الدبلوماسي في لبنان،
يسرّني أن أرحب بكم في بيت الأمم المتحدة في اليوم العالمي للمرأة.
ناشطاتٌ من الأرياف والمدن يغيّرنَ حياة المرأة، نعم حان وقت التغيير. تحت هذا العنوان أرادت الأمم المتحدة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في هذا العام.
لاختيار هذا العنوان أكثرُ من دافعٍ ودلالة. ففي المناطق الريفية، التي تسقط غالباً من السياسات الإنمائية، نساءٌ يساهمن في الأمنِ الغذائي والإنتاجِ وغيرِهما من الشروط التي تصنع التنمية، يتحملن حصةً كبيرةً من العملِ في القطاعِ الزراعي في ظروف صعبةٍ، ولساعاتٍ طويلةٍ، وبأجور متدنيةٍ، وأحياناً بلا أجرٍ لحساب الأسرة، إضافة إلى ما يتحملنه من مسؤوليات بحكم الدور الهام في بناء الأسرة وبناء المجتمع.
الحضور الكريم،
تحت هذا العنوان أطلقت الإسكوا، بالشراكة مع مركز الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة في الجامعة الأميركية في بيروت، حملة "لازم في عام 2018"، متجاوزة بها حدود الأرياف والمدن والبلدان لتُعنى بقضايا المرأة حيثما كانت في بلداننا.
لازم في عام 2018 أن يتكاتفَ الجميعُ من أجل حياة أفضل للنساء في كرامة وسلام.
لازم في عام 2018 أن تنعمَ المرأة في العالم العربي بالديمقراطية والتنمية.
لازم في عام 2018 أن يكون للمرأة دور فاعل في الشأن العام.
وربما لازم ألا تسقط المناطق الريفية من الحسابات الإنمائية.
حملةُ "لازم في عام 2018" طرحت قضايا المرأة والمساواة بين الجنسين في مختلف المجالات،
ليكون اليوم العالمي للمرأة وقفة من الواقع ورؤية للمستقبل، تشارك فيها نساء من البلدان العربية، قياديات وناشطات في مجالات متعددة، في حقوق المرأة، في التعليم الجامعي، في البحث والكتابة، في القضاء والسلك الدبلوماسي. قدّمن تصوّراتٍ طموحةً لما يلزم أن تكون عليه حالُ المرأة العربية في عام 2018، تصوّراتٌ هي نتاج حلم ليس ببعيد وإرادة صلبةٍ، واستكمالٌ لمسيرة بدأت منذ عقود، ترفض التمييز والإقصاء، وتنشد العدالة والمساواة. تصوراتٌ التقت على الإصرارِ على تغييرِ القوانينِ والعاداتِ والتقاليدِ التي تنتقصُ من قيمةِ المرأة في المجتمعِ ولا تحميها من العنف والتمييز، ودعت إلى التمكينِ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمعرفي في التخصصاتِ المختلفةِ التي يحتاجُ إليها عالمُ اليوم وزمنُ اليوم.
الحضور الكريم،
ما أردناه لليوم العالمي لهذا العام، ليس طموحاً ولا حلماً فحسب، بل انطلاقةٌ قوية من واقع تطور المجتمعاتِ العربية ومحاولاتِها الدائمةِ للصمود في وجه صعاب ومحنٍ يتساوى فيها الجميعُ. لقد تحققت إنجازاتٌ لا يمكن إغفالها على كافة المستويات، في التشريع وفي الممارسة؛ ولا يزال أمامنا الكثير لتحقيق رؤيتنا لمستقبل مجتمعات آمنة ومزدهرة تكون المرأة شريكةً كاملةَ الحقوقِ والواجبات في بنائها والعيش فيها.
الحضور الكريم،
إن ما تعيشه منطقتنا من صعوباتٍ وظروفٍ يعمّقُ الفوارق، إن لم يكن في القانون، ففي الواقع، ويكرس التمييز بين أفرادِ المجتمع الواحد، ولا سيما ضد المرأة. فلا يزال العنف بأشكاله المتعددة واقعاً تعيشه المرأة، مرة في المنزل، ومرة في التعليم، ومرة في سوق العمل، ومرةً في الاقتصاد والسياسة. وغني عن القول إن ما يُتاحُ لها من فرص المشاركة في الاقتصاد والحياة السياسية لا يتناسبُ على الإطلاق مع ما حققته من تقدم في التحصيل العلمي. وكلّ يوم يطالعنا الواقع بصور متنوعة من العنف والحرمان غير المبرر.
أما في البلدان التي تشهد نزاعات وحروباً، تعيشُ المرأة العنف والحرمان مضاعفاً. مرة في ظروف الحياة اليومية العاديةِ ومرة في ظروفِ القهر والخوفِ واللجوء. ومن فلسطين، تتوالى الصور على مدار الساعة، لنساء وفتيات في المخيمات والمعتقلات، يكتبن بيد حكاية صمود مذهل تحت احتلال دام عقوداً، وبيد أخرى يمسحن آثار الغبار حيث كان هناك منزل أو مدرسة، ليواصلن الحياة ببطولة في اليوم التالي، يتلمسن الطريق مجدداً، لنا ولهن، إلى الغد.
السيدات والسادة،
إصلاحاتٌ قانونيةٌ عديدةٌ شهدتها الدولُ العربية لحمايةِ المرأة والأسرة من مختلفِ أشكالِ العنف. وقوانين جديدةٌ اعتُمدت لإنصاف المرأة في سوق العمل ومختلف مناحي الحياة، كلّها خطواتٌ هامة نحو تطوير إطارٍ تشريعي متقدم يساعدُ على تغيير ثقافة المجتمع. نساءٌ تبوأن مواقعَ غير تقليديةٍ سواء على المستوى الوزاري
أم في المؤسسات العسكرية، أم في هيئاتِ الحكم المحلي. لكن كلَّ هذه خطواتٌ يجبُ استكمالُها بجهودٍ على نطاق الاقتصاد والمجتمع، لتحويل حقوقِ المرأة وحمايتِها من التمييز إلى واقع تضمنُه المؤسسات وثقافةِ حياةِ يعيشها المجتمع بجميع أفراده.
الحضور الكريم،
نحتفل باليوم العالمي للمرأة ونحن على قناعة راسخةٍ بأن تحقيقَ المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، ليس قضيةَ المرأة فحسب، بل قضيةٌ أخلاقيةٌ تعني المجتمع بأسره. ومنظمة الأمم المتحدة، التي نحن جزء منها، أدركت هذا البعدَ، وجعلت تمكينَ المرأة على رأسِ أولوياتها، بدءاً من التوظيف إلى شروطِ العمل المرنةِ، جعلتها ركيزةً تكاد تحضرُ في كل هدفٍ من أهداف التنمية المستدامة، وهي تعمل مع الدول والمجتمع المدني لتعميم ثقافة عدم التمييز والمساواة وترسيخِها في الواقع.
ولا بد اليوم من إعادةِ التأكيد على هذه الأولويةِ في منطقة تواجه كل يوم مخاطر تهددُ بتراجع مكاسبَ في حقوقِ المرأة، وفي حقوقِ الإنسان، استغرقَ تحقيقُها عقوداً طويلة وجهوداً مضنيةً.
وفي اليوم العالمي للمرأة لا يسعُنا سوى تجديدِ الالتزام بالعمل على أن تكون قضية المرأة قضية كل فرد يريد لمجتمعه أن ينهض بجميع مكوّناته، فالمشروع الإنمائي الذي نحن في صدد تنفيذه على مدى الأعوام الخمسة عشر المقبلة، يَعدُ بعدم إهمال أحد، فكيف إذا طال الإهمالُ نصفَ المجتمع. الواقعُ حافلٌ بالأدلةِ على أن الانتقاصَ من حقوق المرأة ينعكس خسائرَ على المجتمع بأسره. ففي هذا الواقع أمل في التغيير إلى واقع تكونُ فيه المكاسب في حقوق المرأة أساساً متيناً لمستقبل يرضي طموح كل إنسان.
شكراً.