تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني

29 تشرين الثاني/نوفمبر 2016
بيروت، لبنان
كلمة الدكتورة ريما خلف، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة
والأمينة التنفيذية للإسكوا
بمناسبة
اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
بيروت، 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2016
 
معالي السيدة عبير عودة، وزيرة الاقتصاد الوطني لدولة فلسطين،
معالي السيد حسن منيمنة، رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني في لبنان،
حضرة الدكتور مادس غيلبيرت،
سعادة السيدة سيغرد كاغ، المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان،
أصحاب السعادة السفراء،
الزميلات والزملاء،
الحضور الكريم،
 
          أرحب بكم وأشكر لكم حضوركم معنا اليوم تضامناً مع فلسطين وشعبها.
 
          والظلم قد طال بالشعب الفلسطيني. فقد اقتلع من أرضه قبل نحو سبعين عاماً، ومنع من العودة إليها. محيت قراه عن الخرائط. أنكر وجوده، وتعرض لأسوأ محاولات الإبادة الثقافية والسياسية.  ثم احتلت بقية أرضه في عام 1967 ليتعرض لسلسلة مظالم جديدة، من مصادرة الأراضي وإقامة المستوطنات الإسرائيلية عليها، إلى التهجير القسري والاعتقال الإداري والحرمان من حقوقه وحرياته.
 
          ويعاني الفلسطينيون أينما حلوا، من سياسات التمييز العنصري التي اتبعتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.  إن محاولة مجموعة عرقية/دينية السيطرة على مجموعة أخرى، هي في جوهرها مطابقة لسياسة الفصل العنصري (الأبارتايد) التي اعتقد العالم أنها اندثرت بهزيمتها في جنوب أفريقيا في تسعينيات القرن الماضي.
 
السيدات والسادة،
 
          يتنوع ما تمارسه إسرائيل من قمع.  ففي غزة حصار وتجويع لمليوني إنسان بعد قصفهم بوحشية أكثر من مرة.  ولا يتورّع المسؤولون الإسرائيليون عن توعد أهل القطاع بجولة جديدة، تفوق في وحشيتها سابقاتها، وما زال الدمار الذي أحدثته الجولات السابقة قائماً وآثارها ماثلة على أجساد الأطفال وفي نفوسهم.
 
          وفي الضفة الغربية والقدس قتل وتهجير واعتقال.
 
          وداخل إسرائيل تمييز مؤسسي ومجتمعي وقمع مقنّع يستهدف الفلسطينيين دون غيرهم. وقد سنّت إسرائيل أكثر من خمسين قانوناً يميز بين مواطنيها في حقوق الجنسية وتملك الأراضي والحصول على الخدمات.  والتفرقة بين الناس على أساس الدين في إسرائيل تصل إلى رفض مناقشة حق العودة للفلسطينيين، لمجرد كونهم لا ينتمون للديانة اليهودية، بينما تهب إسرائيل حق المواطنة فيها لأي يهودي في العالم وتسمح له بالاستيلاء على بيوت الفلسطينيين وأرضهم والتمتع بثمارها.  ويترك أهل الأرض في قبضة الفقر واليأس والنكبة تلو الأخرى.
 
          ما نشهده اليوم في فلسطين، هو نتيجة لتسامح قوى كبرى في العالم مع تطبيق مفهوم الدولة ذات النقاء العرقي والديني.  وهو مفهوم لا يستقيم مع مبدأ المساواة بين الناس ولا يمكن فرضه إلا بالقمع والقتل والإرهاب. فيعاقب الطفل باثني عشر عاماً في السجن لرميه حجراً، ويعتقل 850,000 فلسطيني منذ احتلال الضفة وغزة، ويقضي الكثيرون حرقاً ورصاصاً لأنهم فلسطينيون يرفضون الانتقاص من حقوقهم ويأبون الاستسلام للظلم.
 
          وللظلم عندما يطول عاقبة من اثنتين، فإما أن يألفه المظلومون فيعتبروه قدراً ويستسلموا له، وإما أن يواجهوه بمقاومة لا تملّ حتى يزول الظلم.  وقد أثبتت السنون أن الشعب الفلسطيني لم يتعود على الظلم، بل اختار المقاومة، لم يقبل بسرقة حقه، بل تمسك به، لم يقبل بالنفي من الجغرافيا والتاريخ بل سكنه الوعد بالانتصار.
 
          حق تقرير المصير، حق كرسته المواثيق الدولية لجميع الشعوب.  والشعب الفلسطيني ليس استثناء من هذا الحق، وله أن يستخدم جميع الوسائل المتاحة لاسترجاعه ومقاومة ظُـلامه.  وعندما يكون النفي دأب المحتل، النفي المادي من الأرض، والنفي المعنوي من الذاكرة، يصبح كل شيء مقاومة.  وفي فلسطين البقاء مقاومة. ابتسامة طفل في غزة المحاصرة والجائعة مقاومة، ركلة كرة قدم على أنقاض ملعب مقاومة.  قطاف الزيتون تحت أنظار المستوطنين المدججين بالسلاح مقاومة.  إبداع فنان بالكلمة والموسيقى واللوحة والنحت مقاومة.
وما سمعناه قبل قليل من أداء رائع لتلميذة فلسطينية، مقاومة من جيل جديد لا يزال يغني لفلسطين والحق،
لم تشغله عنها لقمة العيش، يرفض أن يذعن للجنون أو أن يتخلى عن الأمل.
 
          والأمل يستفز نظام الاحتلال الإسرائيلي، ربما أكثر من الحجر والسلاح، فيعادي هذا النظام الأمل،
كما يعادي كل من يحاول أن يقول الحقيقة أو يرفض ظلماً فُرض على الناس بالقوة والترهيب.  ينفجر نظام الاحتلال حملات تشويه لكل مسؤول يتحدث عن محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها للقانون الدولي.  ينفجر غيظاً وعقوبات حتى في وجه الجمعيات الحقوقية الإسرائيلية التي تتجرأ على فضح جرائم الاحتلال وتطالب بالعدل.
 
السيدات والسادة،
 
          العالم يتغيّر بسرعة. تتزايد الأصوات التي ترفض الاكتفاء بكلمات التعزية والاعتذار، ويكثر المتضامنون مع الشعب الفلسطيني في محنته ونضاله: حملات المقاطعة لنظام الاحتلال ومؤسساته تتسع وتصبح أصلب عوداً. مشاهير يؤثرون رفض المشاركة في الجريمة، بل يصرون على فضحها. مهنيون، كالدكتور مادس غيلبيرت – الذي يشاركنا اليوم في إحياء هذه المناسبة – يضعون خبرتهم في خدمة الحق ودعماً لنضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة.  شعوب عربية تنتفض عندما تشتم رائحة تطبيع أو تساهل مع نظام الاحتلال الإسرائيلي. لكل هؤلاء، لجميع أصحاب الضمائر الحية في المنطقة والعالم، أقول: سعيكم لن يذهب هدراً.
 
مع ضحى وجيلها، مع الشعب الفلسطيني كباراً وصغاراً، مع كل صوت يرفض هذا الظلم المتمادي والصمت عليه، نقف اليوم لنؤكد أن الحق لا بد منتصر، وأن العدالة لا بد آتية، وأن فلسطين لن تكون استثناء.
 
          وشكراً.
 
الأمين التنفيذي: