كلمة الدكتورة ريما خلف
وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا
في الجلسة الافتتاحية للمنتدى العربي للتنمية المستدامة للعام 2016
معالي المهندس عماد فاخوري، وزير التخطيط الأردني،
أصحاب المعالي والسعادة،
الحضور الكريم،
أرحب بكم جميعاً وأشكر لكم مشاركتكم في هذا المنتدى العربي الثالث للتنمية المستدامة. وأودّ أن أشكر المملكة الأردنية الهاشمية على استضافتها الكريمة، وأخص بالشكر معالي الوزير لحضوره معنا اليوم ولما قدمته وزارة التخطيط الأردنية من تسهيلات لهذا الاجتماع. كما أتوجه بالشكر لجامعة الدول العربية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وصندوق الأمم المتحدة للسكان على تعاونهم مع الإسكوا لإنجاحه.
نلتقي في هذا المنتدى، وأمام العالم خطة إنمائية جديدة تمتد حتى عام 2030. خطة متكاملة من الناحية التقنية ومن الناحية السياسية، تتكون من عناصر أربعة متراصة لا يمكن فصل أحدها عن الآخر: الإعلان السياسي بمبادئه التوجيهية، والإطار البرامجي بأهدافه السبعة عشر، ووسائل التنفيذ، والاستعراض والمراجعة. هذه العناصر كلها هي محور اهتمامنا في هذا اللقاء، مؤكدين حرصنا على تلافي الاجتزاء الذي نال من الأهداف الإنمائية في الأعوام السابقة، وحال دون تحقيقها كاملة على نحو ما كان منشوداً وممكناً.
الحضور الكريم،
الاستدامة ليست مجرد امتداد في الزمن. بل تحوّل في عالم اليوم، تتوفر فيه شروط الحياة الكريمة لأجيال الحاضر، وحياة آمنة لأجيال الغد. "تحويل عالمنا" هو الهدف من خطة التنمية المستدامة لعام 2030. هدف بات يفرض نفسه على عالم، تدمره الحروب والنزاعات، وينخره الفقر والحرمان، ويخنقه التدهور البيئي والتغيّر المناخي. آفات قاتلة لا بدّ من استئصالها لإنقاذ الحياة على هذا الكوكب. ثلاثة مشاكل كونية بطبيعتها ومداها، وبأسبابها وتداعياتها، لا يمكن التصدي لبعضها دون الآخر، إذ تتساوى في جسامة الضرر.
ونحن، في عالمنا العربي، ندرك حجم هذه الثلاثية من المشاكل، ونعيش تجلياتها وآثارها كلّ يوم على حياة مواطنينا، على ثقافتنا وبيئتنا، على اقتصاداتنا ومجتمعاتنا. وإنما التنمية هي النجاح في التصدي لهذه الآفات؛ وشروط النجاح هي القدرة على حشد كل الطاقات العقلية والأخلاقية والمؤسسية والاقتصادية والبشرية لتحقيق التحوّل المنشود. وهذا لا يمكن تحقيقه إلا بالتزام الجميع ومشاركتهم، أفراداً ومجموعات، حكومات وبرلمانات، مجتمعاً مدنياً وقطاعاً خاصاً، وبيوتَ خبرة. وتحويل عالمنا العربي ليس بالمهمة السهلة، ولكنه ليس بالمهمة المستحيلة. بل هو مسؤولية وضرورة ملحة، واجب إنساني وأخلاقي، للنهوض بمنطقتنا من واقع مرير، إلى غد أفضل.
السيدات والسادة،
الانطلاق الثابت والمتدرج على مسار التنمية المستدامة في العالم العربي يعني التصدي لتحديات مزمنة وطارئة تهدد بلداننا ومجتمعاتنا، ليس أقلها الاحتلالات الأجنبية والنزاعات المسلحة. والاستدامة تقتضي تحرير فلسطين من الاحتلال واسترداد الحقوق الوطنية الفلسطينية كاملة، وتقتضي إنهاء الحروب والنزاعات والاقتتالات الداخلية على اختلاف أنواعها ومسبباتها. الاستدامة تتطلب إيجاد السبل لترسيخ مسارات التطوّر السياسي السلمي، ومعالجة عوامل التفكك القيمي والمجتمعي والوطني والمؤسسي. فلا بد من سد القصور المعرفي في الأنظمة التعليمية، وفي البحث العلمي والمهارات، وتطوير المنظومة الثقافية بما في ذلك منظومة الإعلام. كما لا بد من إصلاح منظومات الحوكمة وتطوير المؤسسات والآليات التي تضمن المشاركة على أساس المواطنة الحقيقية.
وفي هذا كله، تحرص المنظمات الإقليمية على العمل مع البلدان الأعضاء لتكون لهم القيادة الوطنية في التخطيط التنموي. أي "توطين" الخطة 2030 انطلاقاً من الأولويات الوطنية. والحرص على القيادة الوطنية لا يعني عزل مسار التنمية في بلد ما عن أولويات وقضايا تتعدى حدود الدولة الواحدة. وهي كثيرة في منطقتنا، وتؤثر على الأولويات الوطنية، وتتأثر بها. وعلى معالجة هذه الظروف والأولويات العابرة للحدود يتوقف الكثير من القدرة على تحقيق الأهداف الوطنية.
ومنظومة الأمم المتحدة، الممثلة اليوم بقرابة عشرين وكالة، تحرص دائماً على تحقيق الانسجام بين التوجهات العالمية والإقليمية والوطنية، ملتزمة بنهج الحقوق، وبتقديم الدعم الفني الصادق والمخلص للبلدان ولكل الجهات الفاعلة في التنمية. وتحرص الإسكوا أيضاً، من منطلق الولايات الموكلة إليها، على توسيع سبل التواصل ومساحات الحوار، ودعم الشراكة والمشاركة في المشروع التنموي لبلداننا ومجتمعاتنا. والمنتدى العربي للتنمية المستدامة خير مقام لمناقشة إنجازات بلداننا وهمومها، والبحث في سبل التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية الجديدة.
الحضور الكريم،
نحن نرى في خطة التنمية المستدامة لعام 2030 ومبادئها وما تتضمنه من أهداف وغايات ووسائل للتنفيذ، فرصة تاريخية لتجديد الفكر التنموي وللتخطيط الرشيد والمستدام. فرصة لتحقيق العدالة والرفاه، والدفع بالتكامل بين البلدان العربية نحو مشروع نهضوي يحقق طموحات شعوبنا إلى عالم أفضل. عالم يسوده السلام والأمن والعدالة، ويعيش فيه الإنسان في وئام مع الإنسان ومحيطه، في ظل مؤسسات تحمي الإنسان والكوكب وتوفر شروط الاستدامة. وإذا كان كل ما حولنا اليوم ينطق بعكس ما تعنيه الاستدامة، ففيه أكثر من دافع لإخراج مفهوم الاستدامة من حيز المناقشة إلى حيز الواقع، لأن الاستدامة باتت رديفاً في الحقيقة، كما هي رديفاً في اللغة، للبقاء، واستمرار الحياة.
وشكراً