وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة
"تَهديدٌ غيرُ مسبوق يستدعي تضامناً غيرَ مسبوق"
الأمينة التنفيذية للإسكوا تدعو الحكومات العربية إلى إنشاء صندوق إقليمي للتضامنِ الاجتماعي.
هذا العقد الذي عزمنا على أنه سيكون عقداً للعمل الدؤوب من أجل التنمية المستدامة، والذي لم يُتمّ شهره الثالث بعد، باغتَه وباءٌ قلَب العالم والمنطقة العربية رأساً على عقب. تهديدٌ صحي بعثر أولوياتنا، فأصبحنا بين ليلةٍ وضحاها لا نعتزم سوى العمل العاجل لإنقاذ الأرواح، وإصلاح سبل العيش، والتخفيف من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لوباء كورونا العالمي.
ينتشر هذا الوباء الفتّاك وعدة بلدان عربية ترزح بالفعل تحت وطأة الصراعات. بلدان من أجلها أطلقُ هذا النداء: لنعمل معاً، منذ هذه اللحظة، لتكون سنة 2020 عام السلام في المنطقة العربية. في سبيل ذلك، أدعو جميع الجهات الإقليمية المعنية، والمجتمع الدولي، إلى الإعلان عن هُدنة إنسانية فورية، وبذل جهود حثيثة لبناء سلامٍ عادل ودائم. يجب رفع الحصار عن قطاع غزة، ورفع العقوبات المفروضة على بعض البلدان العربية، والامتناع عن فرض أي قيود على المواد اللازمة لمكافحةِ وباء كورونا وحماية سُبُلِ العيش.
التقييماتُ الأوليةُ لأثرِ وباءِ كورونا مُرعِبة: سنخسر أرواحاً لا تُقدَّر بثمَن، وسنخسر وظائف تُقدّر بالملايين، وسنخسر إيراداتٍ بمليارات الدولارات. سيلتحق ملايينُ البشر بمن سبقهُم إلى شِباكِ الفقرِ. ملايينُ اللاجئين والنازِحين داخل بلدانهم ستنقطع عنهم المساعدات الإنسانية. والنساء، كما اعتَدن، سيتحمّلن الوزر الأكبر للعنف المتزايد والمخاطر الصحية المتفاقمة.
ليس هدفي تعداد أرقام مخيفة، بل توجيه رسالة واضحة: وباء كورونا تهديدٌ غيرُ مسبوق يستدعي تضامُناً غيرَ مسبوق. واجبٌ علينا العمل، فوراً، للقضاء عليه والتخفيف من تداعياته. أيّ جهود نبذلها لتحقيق ذلك يجب أن تتمحور حول رفاه الإنسان، والعدالة الاجتماعية، وثقافتنا العربية: ثقافة التضامن والعطاء التي هي سبيلُنا إلى منطقةٍ عربيةٍ تنعم بالأمن والعدل والازدهار.
انطلاقاً من ثقافتنا هذه، ندعو الحكومات العربية إلى إنشاء صندوق إقليمي للتضامنِ الاجتماعي. صندوق يدعم البلدان العربية الأقل نمواً والمعرّضة للخطر، ويضمن التعجيلَ في الاستجابةِ لاحتياجات الشعوب العربية، ويوفّر الإغاثة في حالات نقص المواد الغذائية والطوارئ الصحية. صندوق يمكن للحكومات العربية المساهَمة في تمويله بسُبل عدّة، من بينها الإعلان عن جواز دفع الزكاة المستحقّة هذا العام لهذا الصندوق، سواءَ كانت زكاةَ المال أو زكاء الفطر.
كذلك، ينبغي للصناديق الإقليمية القائمة توجيه استثماراتها نحو قطاع الصحة ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة. وينبغي للمؤسسات المالية والإنمائية الإقليمية، وكذلك المؤسسات المالية المتعددة الأطراف، النظر في وضع آليات لتأجيل سداد الدين وخفضه. فذلك سيزيد الحيز المالي للبلدان العربية، مما سيتيح لها معالجة تداعيات وباء كورونا.
إنّ معالجة تداعيات هذا الوباء لا تستدعي استجابةً إقليمية فحسب، بل استجابةً وطنيةً أيضاً.لقد بدأت حكومات عربية بالفعل باتخاذ تدابير جديرة بكلّ ثناء. على هذا المسار، ندعو الحكومات العربية إلى اتخاذ تدابير مالية ترمي إلى خدمة المواطن وتُستثمر في قدرته على البقاء. وينبغي أن تكون الاستجابة للوباء شاملة ومتكاملة: تؤازر المحتاجين، وتعزّز نظم الحماية الاجتماعية، وتنهض بالمشاريع الصغيرة وتحميها من الإفلاس، وتدفع عجلة الاقتصاد. وينبغي أن تدعم الفقراء والفئات الضعيفة، لا سيما كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة والمهاجرين، وتضمن حصولهم على المواد الغذائية الأساسية والسلع الضرورية في كلّ الظروف وبأسعار معقولة. تلك تدابير حكومية لا بدّ منها، ولا بدّ من مشاركة القطاع الخاص فيها لتزداد فعاليةً وكفاءة.
ظروفنا اليوم استثنائية، تستدعي استجابةً استثنائية. استجابة متكاملة محورها الإنسان، ورفاهُه، والتضامن معه. أمام خطورة وباء كورونا، وآثاره التي تُحدث مزيداً من الخراب كل يوم، قد يبدو أنّ أي استجابة نتّخذها لن ترقى إلى مستوى التحديات. تلك تحديات جسيمة بلا شكّ، لكنّ عزيمتنا أقوى. فلنعمل معاً، فوراً، لإنقاذ أكبرِ عدد ممكن من الأرواح، ولإعادة ترتيب أولوياتنا، ولنشر ثقافة حياة جديدة للإنسان العربي. لنعملْ معاً كي نعيد لشعوبنا الأمل بمستقبلهم والثقة بحكوماتهم، فذلك واجبنا الإنساني، وسبيلُنا إلى التنمية المستدامة المنشودة التي لا تُهمل أحداً.
- استجابة إقليمية طارئة للتخفيف من تداعيات الوباء فيروس كورونا