كلمة السيد محمد علي الحكيم
وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي
للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)
الاجتماع التشاوري الإقليمي المعني بالهجرة الدولية في المنطقة العربية
في إطار التحضير للاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية
بيت الأمم المتحدة، بيروت، 26 و27 أيلول/سبتمبر 2017
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة الوزراء ورؤساء وأعضاء وفود الدول العربية،
السيدات والسادة ممثلي منظمات المجمع المدني،
السيدات والسادة الخبراء،
الزملاء الأعزاء ممثلي منظمات الأمم المتحدة،
الحضور الكريم،
أرحبُ بكم جميعاً في بيتِ الأمم المتحدة في بيروت وأشكرُ مشاركتَكم في هذا الاجتماع التشاوري الإقليمي الذي يعقدُ في إطار التحضير للاتفاقِ العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية. وأخصُّ بالشكر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية والمنظمة الدولية للهجرة وجميع شركاء الإسكوا في مجموعةِ العمل المعنية بالهجرة الدولية في المنطقة العربية. وأتوجهُ بالشكر أيضاً إلى السيدة لويز أربور، ممثلة الأمين العام الخاصة المعنية بالهجرة الدولية، على جهودِها لتعزيز الحوار الإقليمي وحرصها على أن يحملَ الاتفاقُ العالمي التوجهات والقضايا التي تتفرّد بها المنطقة.
ويسرني أن أخاطب هذا الحفل الكريم من موقعي كأمين تنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، اللجنة التي تعملُ في منطقة تتفرّد بخصائصَ جغرافيةٍ وسياسيةٍ واجتماعيةٍ واقتصاديةٍ وبيئيةٍ، تؤثرُ كلُّها على أنماط الهجرة والحركات السكانية من المنطقة وإليها.
يُعقدُ اجتماعُنا اليوم في ظل حراكٍ سياسي عالمي غيرِ مسبوق، يدلُّ على وعي بضرورةِ التعامل مع ظاهرة الهجرة بأسلوبٍ غيرِ مسبوق أيضاً. ولعل إعلانَ نيويورك من أجل اللاجئين والمهاجرين خيرُ دليل على أن الوقتَ قد حان ليتغيرَ الخطابُ، بحيث يُلاقي حجمَ الهجرة الدولية، وما تحملُه من فرص تنموية، إذا ما كانت هجرة آمنة ونظامية، تكفل حماية حقوق الإنسان وتجعل رحلة المهاجر رحلة إلى مستقبل أفضل.
الحضور الكريم،
يشهدُ العالمُ حركةَ هجرةٍ دولية غير مسبوقة، وقد شهدت منطقتنا بشكل خاص تزايداً هائلاً في عددِ المهاجرين الدوليين، لأسباب وفي أنماط تزدادُ اختلافاً وتعقيداً. ففي عام 2015، استقبلت الدول العربية 35 مليون مهاجر وهاجر منها أكثر من 26 مليون مهاجر، نصفُهم داخل المنطقة. أمّا الأسباب، فتعددت: من المهاجرين من اختار أن يهاجرَ، بحثاً عن فرص علم أو عمل أو حياة أفضل، ومنهم من نزح هرباً من نزاعات وحروب، أتت على مقدّرات البلدان، أو من احتلالٍ يهدّد أمنَ ومستقبلَ المنطقة بكاملها. وفي جميعِ الأحوال، تبقى الهجرةُ قسراً، ولو بدأت خياراً.
وفي حين يكثُر الحديث عن الهجرة كظاهرةٍ لها تبعات سلبية، لاسيما الهجرة القسرية، ويجري التعامل مع المهاجرين كعبءٍ يثقلُ اقتصادَ الدول المضيفةِ، ويستنفدُ بنيتها التحتية، ويستنزفُ مواردَها الطبيعيةَ، ويزيدُ من المنافسة على فرص العمل، كثيراً ما تُغفل الآثار الإيجابيةُ لحركاتِ الهجرة. أليست الهجرة أقدم خطة للحد من الفقر؟
تساهم الهجرة في بناء اقتصاد بلدان المقصد بما تجلبُ إليه من مهارات وأفكارٍ جديدة وعناصرَ تغني التنوعَ الثقافي والاجتماعي. ويساهمُ المهاجرون في دعم اقتصاد بلدان المنشأ. فالتحويلات المالية إلى دول منطقتنا، مثلاً، تزيد على 50 مليار دولار سنوياً، وهي تفوق بأربعة أضعاف المساعدة الإنمائية الرسمية الواردة إلى البلدان العربية. وكثيراً ما يعود المهاجرون إلى بلدانهم حاملين مهاراتٍ وعلوماً وفرصاً ثمينة للاستثمار والبناء.
الحضور الكريم،
الهجرةُ هي واقع يعبر الجدران والأسلاك الشائكة، على البلدان أن تتعامل معه وتخطط له، بما يحمي الإنسان ويحرّكُ عجلة التنمية. ولإدارة هذا الواقع العابر للحدود، لا بد من تعاون إقليمي ودولي يعبر الحدود أيضاً. وإدراكاً من المجتمع الدولي لهذا الواقع، شارك قادة العالم في سلسلة من حوارات منذ مطلعِ الألفية حول قضايا الهجرة ومفاعيلِها. وشهدت منطقتُنا جهوداً لتفعيل الحوار والتعاونِ الإقليمي وبناء تصور للمبادئ والنُهُج المشتركة التي تسترشدُ بها بلداننا للتعامل مع حركات الهجرة. ونتج من هذه الحوارات عددٌ من الالتزامات سعينا مع شركائنا في جامعة الدول العربية والمنظمة الدولية للهجرة إلى إيصالها إلى المسارات والمحافل الدولية.
وعملاً ببعض الالتزامات التي صدرت عن عددٍ من المشاورات الإقليمية، قامت دول عربية بتحديث سياساتها واعتمدت ممارسات واعدة تخاطب تطلعات الشعوب إلى العيش الكريم. فمنها من اعتمد سياسات متكاملة لإدارة الهجرة بنَهجٍ حقوقي، ومنها من أدرجَ الهجرةَ ركناً من أركانِ الخطة التنموية الوطنية، ومنها من عمل على دمج المغتربين من المواطنين في مبادرات تمكنهم من المشاركة في صنع القرار وتشجعهم على الاستثمار في بلدانهم. وشهدت المنطقة مبادرات عدة للتخفيف من القيود على القوى العاملة الوافدة، واعتمادِ تشريعات لمكافحة الاتجارِ بالبشر، ودرءِ الخطر عن المهاجرين غير الشرعيين وتخفيف معاناتِهم.
غير أن ما أنجز لا يزال بعيداً عن المطلوب لتحقيق أحد مقاصد خطة التنمية المستدامة لعام 2030 أي "تيسير الهجـرة وتَنقُّـل الأشخاص علـى نحو منظم وآمن ومنتظم ومتسم بالمسؤولية، بما في ذلك من خلال تنفيذ سياسات الهجرة المخطّط لها والتي تتسم بحُسن الإدارة". فلا تزال دول عديدة تحتاج إلى تحديثِ قوانينها وأنظمتها، لتساهمَ في تحسين نوعية حياة المهاجرين وتضمنَ حقوقَهم في الحصول على الخدماتِ العامة كالصحة والتعليم، وتساعدَهم على لمّ شمل الأسر، وتمكنَهم من المساهمة الفعالة والمثمرة في سوق العمل. ولا تزالُ المنطقة بحاجة إلى آليات تتيح الاستفادة من طاقات المهاجرين وأدمغتهم وخبراتهم، وتفعيل مسارات تحدّ من الهجرة غير النظامية وما يترتب عليها من مشقات وخسائر في الأرواح.
الحضور الكريم،
على جدولِ أعمالكم مواضيعُ هامةٌ وشائكةٌ أحياناً. فالحاجةُ اليومَ ملحةٌ لتضافرِ الجهود على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، لرسمِ ملامحِ الاتفاق العالمي من أجلِ الهجرةِ الآمنةِ والمنظمة والنظامية، وتحديدِ المعايير والمبادئ لحوكمةِ الهجرة الدولية بجميع أبعادها. لكنَّ التحدي الأكبرَ يبقى في تحويلِ الاتفاق إلى سياسات وممارسات وطنية واتفاقيات ثنائية وإقليمية تنظرُ إلى الهجرة نظرةً موضوعيةً ومعاصرةً بما فيها من فرص وتحديات.
ونتمنى خلال الأعوامِ المقبلةِ أن نعملَ معاً كمنظماتٍ إقليمية ودولية وحكوماتٍ عربية وجهات غير حكومية بنَهج متكاملٍ، وأن نبحث معاً عن حلولٍ عمليةٍ مشتركة لقضايا مشتركةٍ. ويسرني أن أرى اليوم بين الحضور ممثلين عن مختلفِ الجهاتِ الفاعلة.
ودعماً لجهودكم، نلتزم في الإسكوا توسيع مساحات الحوار البنّاء واللقاء المثمر، التي تمهد لاعتماد سياسات متكاملة على أساس ما نتشاركُه ويمليه واقع منطقتنا من معارف وبيانات وخبرات.
وفي الختام، أجدد الترحيبَ بكم، وأتمنى لكم حواراً موفّقاً ينتجُ منه موقفٌ إقليمي يحملُ واقعَ المنطقةِ وأولوياتِها إلى الاتفاق العالمي الذي نصبو إليه.
وشكراً.
26 أيلول/سبتمبر 2017
بيروت، لبنان
الأمين التنفيذي: