تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

افتتاح مؤتمر الاسكوا ومركز كارنيغي للشرق الأوسط إصلاح قطاع الأمن: السعي نحو التغيير

17 كانون الثاني/يناير 2012

معالي السيد مروان شربل، وزير الداخلية والبلديات في الجمهورية اللبنانية، ممثلاً بالعميد بيار نصار،
حضرة الدكتور بول سالم، مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط
حضرة الدكتور يزيد الصايغ، كبير الباحثين في مركز كانيغي للشرق الأوسط
حضرات السيدات والسادة،
أود بداية أن أرحب بكم في بيت الأمم المتحدة، حيث سنقوم خلال اليومين القادمين بمناقشة إحدى أكثر القضايا حيوية وحساسية في منطقتنا: القطاع الأمني – وهي قضية لطالما كان الغور فيها محصوراً بصانعي القرار. لكننا نجد أنفسنا اليوم، في اجتماع خبراء يشارك فيه مجموعة متنوعة ومتنورة من عدد من الدول العربية لمناقشة إصلاح القطاع الأمني، وبشكل أكثر تحديداً، لمناقشة أولويات عملية الإصلاح هذه، وذلك كجزء من مشروع أكبر وأوسع يصل إلى محاولة بلورة خطط ورؤى واستراتيجيات للإصلاح في العالم العربي في سبيل التغيير الذي ننشده كمسؤولين وشعوب لملاقاة متطلبات العصر وضمان مستقبل أفضل لمجتمعاتنا.
لكن قبل أن أدخل في رؤية الاسكوا لهذا الموضوع وآفاقه المستقبلية، أود أن أشكر معالي الوزير مروان شربل، وزير الداخلية، ممثلاً بالوفد الذي يترأسه العميد بيار نصار، على الاهتمام الذي تخصه وزارة الداخلية اللبنانية في تجسيد الجهود في هذا الموضوع.
ولا بد أن أشكر الدكتور بول سالم والدكتور يزيد الصايغ لشراكتهم معنا، وهي شراكة بدأت تؤتي ثمارها. ودعوني أؤكد منذ الآن أننا نتطلع حقيقة إلى تعاون مستمر بين مركز كارنيغي للشرق الأوسط والاسكوا في مجالات سيكون لها آثار كبيرة على مستقبل المنطقة العربية، حيث يشكل موضوع إصلاح القطاع الأمني إحداها.
كما أود أن أخص بالشكر كافة المشاركين معنا اليوم على جهودكم وتسخير إمكانياتكم من أجل المضي قدماً في إصلاح القطاع الأمني في منطقتنا. وإذ تنبع مساهماتكم من خبرة وتجربة كل واحد منكم، فإنها تشكل الأساس في المجال البحثي الذي نحتاجه بشدة لبلورة أي سياسات أو برامج في هذا المجال خصوصاً، وفي مجال الحوكمة الديمقراطية عموماً.

السيدات والسادة،
أصبحت الحاجة ملحة لإعادة النظر في دور المؤسسات الأمنية إثر الانتفاضات العربية، حيث كان الأساس في هذه الانتفاضات والثورات المواطن العربي، وليس الضباط والعسكر، كما كان سائداً في تاريخنا السياسي.
وبينما لا تزال المسببات التفصيلية للانتفاضات العربية والحراك الاجتماعي مدار نقاش وتحليل، هناك نوع من الإجماع على أنها كانت مدفوعة بتطلعات وشجون المواطنين العرب، وهي مرتبطة بشكل وثيق بالكرامة والحرية وفرص العمل.
يبدو للوهلة الأولى أن هذا الأمر جديد، لكنه ليس كذلك. ففي عام 2005، تبنت كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وثيقة نتائج مؤتمر القمة العالمية (2005 World Summit Outcome ، والتي أعلنت بشكل لا لبس فيه أن حقوق الإنسان والتنمية والأمن مترابطة بشكل وثيق، وأنه لا يمكن تحقيق واحدة دون الأخرتين.
هذا وقد كانت الديناميكيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في العالم العربي شاهداً على هذا الأمر منذ عقود، وصولاً إلى شهر كانون الأول/ديسمبر 2010.
فقد أظهرت مؤشرات التنمية البشرية الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية بين عامي 2005 و2011 أن كل الدول التي شهدت حراكاً اجتماعياً قد حققت تقدماً في التنمية البشرية بين هذين العامين. بل وكانت البحرين وليبيا وتونس أفضل الدول أداءً في هذا المجال عام 2010.
أما بالنسبة لمؤشر الدول الفاشلة (Failed State Index) الصادر عن صندوق السلام بين عامي 2006 و2011، كان من المثير للاهتمام أنه أشار إلى أن ليبيا وتونس واليمن كانت قد حصلت على أعلى درجات احتمال انهيار النظام (higher scores regarding likelihood of regime collapse) ، حيث كانت على مدى السنوات الخمس السابقة تشير إلى تدني قدرات هذه الأنظمة على أداء مهامها كدول. فمثلاً أظهرت تونس معدلاً عالياً يؤشر على تحلل الدولة ومؤسساتها، وكما تعلمون فإن تونس نفسها كانت الدولة الأولى التي انطلقت فيها الاحتجاجات الشعبية.
إن المكاسب التي حققتها هذه الدول في التنمية البشرية، ونمو الناتج المحلي الإجمالي، لم تكن كافية لإطالة عمر هياكل ونظم الحكم في عدد من الدول العربية، كما لم تكن هذه المكاسب للتعويض عن غياب حرية التعبير عن الرأي، والمحاسبة، والمشاركة الفاعلة، والمؤسسات العامة العادلة. ففي أغلب هذه الدول كان القطاع الأمني يوضع في المقدمة لتأمين الاستقرار وضمان استمرارية نظم الحكم السياسية والاقتصادية السائدة. وقد أتى ذلك بالطبع بثمن باهظ. وهنا لا أتكلم عن انتهاكات حقوق الإنسان والفساد وانعدام الفعالية وتشابك المهام ما بين الأجهزة الأمنية المختلفة، بل أتكلم عن الكلفة. فمعدل الإنفاق العسكري في المنطقة العربية كان دوماً يفوق ضعف المعدل العالمي، وأكثر من ثلاثة أضعاف الدول ذات الاقتصاديات النامية في المناطق الأخرى، كشرق آسيا والمحيط الهادئ، وأميركا اللاتينية والكاريبي. وفي الوقت عينه، كانت نفقات القطاع الصحي في منطقتنا أدنى بشكل كبير من هاتين المنطقتين. ففي العام 2007، كانت سبع من أصل الدول العشر الأكثر إنفاقاً على التسليح نسبة للناتج المحلي الإجمالي، من هذه المنطقة.

الحضور الكريم،
أثبتت الانتفاضات العربية أن مثل هذا الاستثمار ليس كافياً لضمان استمرارية الاستقرار والنظام العام.
في الماضي، كان الخوف من تداعيات تحديث النظم التشريعية على نظام الحكم. أما اليوم فنعتقد أنه حان وقت إصلاح النظم التشريعية السابقة، مع تطبيق مبدأي: 1- إشراف السلطة المدنية و 2- المحاسبة المؤسسية على الأجهزة الأمنية.
اليوم، تغير الواقع. ومن هذه الروحية أود أن استشهد بمقولة من ورقة عمر عاشور التي قرأتموها: في مصر "سمحت الثورة لنشوء جيل جديد من الضباط الإصلاحيين. فالعديد من ضباط الشرطة ذات الرتب المتوسطة قاموا برد فعل على الانتهاكات الممنهجة عبر تشكيل مجموعات تدفع باتجاه إصلاح داخلي...".
وهنا تكمن إحدى النقاط الأساسية، أقله بالنسبة لنا في الاسكوا. فإن دعم التحول نحو الديمقراطية أو الإصلاح السياسي يتطلب النظر في سبل قياس التقدم نحو إصلاح القطاع الأمني وسيادة القانون. وذلك عبر البحث فيما يجب قياسه وكيفية القيام بهذا القياس، لنتمكن من تأمين نقاش ومشورة فنية حول الثغرات الموجودة، وتمكين صناع القرار من بلورة سياسات على أساس معرفي سليم لمعالجة أوجه القصور. كما ويجب استخدام كلمة الشفافية في هذا السياق، علماً بأن عملية القياس هذه ستكون الطريقة الوحيدة التي من خلالها سيتمكن الجيل الجديد من صناع القرار العربي بتقديم سياسات ملموسة بشأن قطاع الأمن أو أي قطاعات أخرى.

السيدات والسادة،
تسعى الاسكوا من خلال إدارة القضايا الطارئة والنزاعات بالعمل على تطوير مؤشرات للحكم السليم نابعة من خصائص هذه المنطقة. ويتضمن هذا العمل تأمين وصول البيانات والمعلومات المطلوبة بشكل مستمر. وهذا بدوره يتطلب تعزيز القدرات على جمع وإصدار البيانات وتسهيل عملية الوصول إليها، وهو ما نطلق عليه تسمية تقرير الحوكمة العربية. وسيكون قطاع الأمن وسيادة القانون أحد الركائز الأربع لهذا التقرير الذي سيصدر مرة كل عامين، بالإضافة إلى المشاركة وحقوق الإنسان، النمو التشاركي (inclusive growth) والتنمية البشرية.
إن التثبت من التقدم المحرز في هذه الركائز الأربعة التي يعتمد عليها نجاح التحول الديمقراطي العربي والإصلاح السياسي سيتيح المجال أمام بلورة خطة عمل نابعة من المنطقة ومرتبطة بالواقع بما يسمح بتطوير القطاع الأمني وغيره من القطاعات بشكل يمنحها الشرعية والارتباط بالواقع والنمو المستدام.

الحضور الكريم،
لنصل إلى ذلك الهدف، وتحديداً في مجال تصميم مثل هذا التقرير، نحتاج أن نناقش معكم الأولويات ونوع المبادرات ومشاريع بناء القدرات التي يحتاجها تطوير وإصلاح القطاع الأمني. بمعنى آخر، نحتاج أن نستعرض الآن معاً ما يجب أن نقوم بقياسه وتقييمه قبل أن نجلس معاً مجدداً لمناقشة كيفية القيام بهذا القياس. ولذلك فإننا حريصون على الاستفادة من الخبرات الموجودة في هذه الشبكة التي سيتم تدشينها خلال اليومين المقبلين. وشكراً