تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

حديث مع: انهار حجازي، مديرة شعبة التنمية المستدامة والإنتاجية في الإسكوا

09
كانون الثاني/يناير
2010

قال الكاتب الأمريكي الشهير إرنست همنغواي مرةً إنّ كلمة التقاعد أبشع كلمات اللغة. وهذا الأمر ينطبق على كل من يدع الكلمة تتحول إلى حالة. لكن الحال ليس كذلك بالنسبة لأنهار حجازي، التي تستقي تفانيها في العمل "من الحب"، بحسب تعبيرها. وحجازي المتفانية والمثابرة وجهٌ غنيٌ عن التعريف في الإسكوا، حيث تشغل منصب مديرة شعبة التنمية المستدامة والإنتاجية. تبادل فريق الإعلام بضع كلمات معها قبل تقاعدها الوشيك، وكان لها بعض الآراء حول عملها في اللجنة الإقليمية وإنجازات شعبتها، وحول الحياة بشكل عام.

الدائرة الإعلامية: هل لك أن تخبرينا قليلاً عن المسار الذي أوصلك إلى الإسكوا؟
حجازي: خلفيتي أتاحت لي الانضمام إلى فريق عمل الإسكوا. لقد حصلت على دكتوراه في هندسة الطاقة الشمسية وشغلت عدداً من المناصب في بلدي، مصر، بدءاً من عام 1971. وانطلاقاً من وظيفتي الأولى في المركز القومي للبحوث، وصلت إلى منصب وكيل وزارة للبحوث والتقارير في هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة، وكانت مسؤولياتي تشمل تطوير مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة وترشيد استهلاك الطاقة. خلال 29 سنة عملتها في مصر، كنت أعمل كاستشارية لمنظمات دولية، ومنها الإسكوا. علاقتي الأولى بالإسكوا كانت في عام 1986، حيث كنت مستشارة في موضوع استخدام الطاقة المتجددة في المناطق الريفية والنائية في بلدان الإسكوا. وقد وقع الاختيار عليّ لاحقاّ لشغل منصب رئيس قسم الطاقة في عام 1997.
عندما انطلقت في عملي مع زميلي محمد قرضاب، والذي تقاعد الآن، لم يكن في القسم أي موظف، وكان ذلك في تموز/يوليه 1997، أي في الجزء الثاني من برنامج السنتين. وكان للقسم برنامج عمل كامل مقرراً له. بعد انقضاء خمسة أشهر على هذا التاريخ، وبدعم من المستشار الإقليمي حول الطاقة ورئيس الشعبة، تمكّنا من إصدار ثلاثة منشورات، وعقد اجتماعين للخبراء فضلاً عن اجتماع لجنة الطاقة.
الدائرة الإعلامية: كيف تصفين الفرق بين ذلك الوقت والآن من حيث الإنجاز وتطور العمل؟
حجازي: خلال ترؤسي قسم الطاقة (من تموز/يوليه 1997 إلى شباط/فبراير 2004)، استطعنا زملائي وأنا أن نفعّل القسم كي يبرز بالنسبة للبلدان الأعضاء في عدد من المجالات وأهمها فعالية الطاقة، والطاقة المتجددة، ونقل الطاقة، والحد من آثار تغير المناخ، حتى قبل أن يستقطب هذا الموضوع الاهتمام بشكل واسع. كما أسسنا أول آلية تنسيق إقليمية للعمل على مواضيع الطاقة في خدمة التنمية، والتي عززت تبادل الخبرات بين البلدان الأعضاء.
ثم في عام 2004، عُينت على رأس شعبة التنمية المستدامة والإنتاجية وتغيّر نطاق العمل. لكن سررت بهذا التغيير، وكنت تحضّرت له بفضل خبرتي السابقة وعملي مع مختلف الشركاء. وأستطيع القول إن عمل الشعبة يغطي أوسع نطاق من شؤون التنمية التي تهم البلدان الأعضاء في المنطقة. ومن أهمّ المواضيع التي نعمل عليها موضوع المياه، بسبب ندرتها وزيادة الطلب عليها في مسارات التنمية. وقد تمكنت الشعبة من الاضطلاع بدور محوري في البلدان الأعضاء في هذا المجال، من خلال تعزيز الإدارة المتكاملة للموارد المائية، والعمل على إدارة الموارد المائية المشتركة. وفي 2007 أنشأنا الجمعية العربية لمرافق المياه، والتي تعزز التعاون الإقليمي في مواضيع إمدادات المياه والصرف الصحي، وتكمّل حاجتنا لدعم تنفيذ الأهداف الإنمائية للألفية، ولا سيما الهدف السابع من بينها حول ضمان الاستدامة البيئية.
لذا أستطيع أن أزعم أنّ الإسكوا قد أسست سمعة طيبة بين بلدان المنطقة في هذا المجال. كما أنّ موضوع تطوير مواضيع الطاقة من أجل التنمية المستدامة بارز في جدول أعمال شعبة التنمية المستدامة والإنتاجية، إذ كان لجهدنا أثر كبير في البلدان الأعضاء، ولا سيما في مجالات الطاقة المتجددة وفعالية الطاقة، وإتاحة الوصول إلى الطاقة في المناطق الريفية. ومن خلال تعاوننا مع جامعة الدول العربية ومكتب غرب آسيا في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أدينا دوراً كبيراً في وضع عدد من الإعلانات وخطط العمل العربية حول استخدام الطاقة لخدمة التنمية المستدامة، ومنها إعلان أبو ظبي حول البيئة والطاقة، و"الطاقة لأغراض التنمية المستدامة، خطة عمل عربية". وفي مجال تغير المناخ، "مشروع خطة العمل الإطارية العربية حول تغير المناخ". وقد تبنى مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن البيئة هذه الخطط والإعلانات، وتبعه في هذه الخطوة عدد من البلدان العربية.
وما يعنيه هذا الأمر هو أنّ اقتراحنا للسياسات والخطط قد أخذت به البلدان الأعضاء، فضلاً عن البلدان العربية كلها. وهذا من إيجابيات تعاوننا مع جامعة الدول العربية الذي يوسع لنا نطاق خدماتنا وينشرها في باقي الدول العربية.
كما استطعنا أن نساهم في تنمية قدرات بلداننا الأعضاء في مجالات أخرى ومنها تطوير أعمال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم (مما يرتبط باستحداث الوظائف والتخفيف من الفقر)، وتعزيز الطاقة المتجددة، وفعالية الطاقة، ودور الطاقة في النقل. وهنا، أصل إلى موضوع تغيّر المناخ، والذي يهم شعبة التنمية المستدامة والإنتاجية بكافة أقسامها، من ناحية تقييم وقعه على المنطقة وتنمية الجهود الرامية إلى التكيف معه والحد من آثاره.
وفي مجال التنمية المستدامة، اضطلعت الإسكوا بشكل خاص بقيادة التحضيرات العربية لدورات لجنة التنمية المستدامة في الأمم المتحدة. وقد كُلفنا بهذه المهمة منذ عام 2002، ووصولاً إلى الوقت الحاضر. ونحن المسؤولون عن إعداد تقرير سنوي لهذه اللجنة في نيويورك حول تنفيذ قرارات القمة العالمية حول التنمية المستدامة في المنطقة العربية.
الدائرة الإعلامية: بعد هذه الإنجازات الكثيرة ومسيرة عملية ناجحة، غير معقول أن تتوقفي في هذه المرحلة. ما الذي يأتي بعد الإسكوا في جدول أعمالك؟
الله أعلم بالآتي، ولكنني على يقين من أمرين: عليّ أن استمتع بصحبة عائلتي، وبشكل خاص بأحفادي. ومن المؤكد أنني لن أتوقف عن العمل. لدي حالياً عدد من عروض العمل التي من الممكن أن تبصر النور أو لا. إنما ما يهمّني فعلاً هو العمل ضمن المجتمع المدني. تعاني بلداننا جميعاً من المشاكل، ولا يخفى على أحد أنّ وطني يعاني من مشاكل حيث تحتاج بعض المجتمعات المحلية إلى المساعدة. وأنا لا أقصد بمساعدة المشاريع الخيرية، بل أتكلم عن استغلال الخبرة التي استقيتها، وشبكة العلاقات التي نسجتها من أجل تنمية هذه المجتمعات بشكل فعال، إن كان ذلك في مصر أو المنطقة العربية أو حتى خارجها.
الدائرة الإعلامية: ما النصيحة التي يمكن أن تسديها للشباب من المحترفين الذين ينطلقون الآن في مسيرتهم المهنية، ولا سيما النساء اللواتي يعملن داخل المنزل وخارجه؟
حجازي: هي كلمة واحدة فحسب: "الحب". إن أحببت عملك، فسوف تنجزه وتتقبل الأعباء التي تتكبدها بسببه. واعرف أن الانجاز والتنمية حلقة متواصلة، إذاً لا بدّ أن تعمل مع الكل، لأنه إذا وقعت حلقة واحدة من السلسلة تقف الأخيرة عن العمل. فعملك بإخلاص مع زملائك مردّه لك، إذا كانت الوحدة قوية، يكون الفرد قوياً.
لقد قضيت 13 عاماً في الإسكوا وأعطيت قلبي كاملاً. وما أذكره هو أنّ 99 في المائة من الموظفين الذين عملت معهم كانوا مخلصين لعملهم. وأؤكد لك أننا عشنا كأسرة واحدة، إذ يجب ألا يتنافس الزملاء بقدر ما يجدر بهم أن يساندوا بعضهم بعضاً، لأن هذا الأمر يعود بالمنفعة على الجميع.
خلال مسيرتي المهنية، أحببت عملي وآمنت فعلاً أنه بغض النظر عمّن أكون خارج المنزل، عندما أكون في الداخل، فأنا الزوجة. آمل ألا ترتكب الشابات خطأ الدخول في منافسة مع أزواجهن. كلّما أظهرت الاحترام لزوجك، وأدّيت دورك العائلي كأم وزوجة، كبر الدعم الذي يوليه لك، كائناً من كنت.
رلى مجدلاني، المديرة التالية لشعبة التنمية المستدامة والإنتاجية
تستلم رلى مجدلاني إدارة شعبة التنمية المستدامة والإنتاجية بعد حجازي، وهي شخص ديناميكي تمتلك خبرة واسعة في مجال إدارة الموارد المائية، والعمل الميداني، والتخطيط المدني والتنمية الاجتماعية.
تقول حجازي: "سررت جدّاً عندما علمت أن زميلتي رلى هي التي ستخلفني، ذلك لأنها أولاً لديها خبرة طويلة مع الإسكوا وهي بالتالي لا تأتي من خارج المنظمة وتحتاج لأن تتعرف على طبيعة عملها. وثانياً لأنها من المنطقة وتعرفها جيداً. والأهم من كل ذلك أنها من أسرة هذه الشعبة".
رلى مجدلاني حائزة على دراسات عليا في التخطيط المدني والإقليمي من جامعة سيراكيوز في الولايات المتحدة الأميركية. التحقت بالإسكوا في عام 1989 كمسؤولة للمستوطنات البشرية، وانتقلت بعدها في عام 2002 إلى شعبة التنمية المستدامة والإنتاجية وعملت في قسم المياه كمسؤولة أولى عن الشؤون الاقتصادية. كما عملت مجدلاني بين عامي 1993 و1994 في جنوب إفريقيا كمراقبة سياسية في بعثة الأمم المتحدة لبناء السلام. وفي كانون الثاني/يناير 2008، عُيّنت رئيسة قسم التعاون الفني في شعبة تخطيط البرامج والتعاون الفني. من ثم عادت إلى شعبة التنمية المستدامة والإنتاجية كرئيس قسم القطاعات الإنتاجية في نيسان/أبريل 2010. وهي تمتلك خبرة طويلة في مجالات التنمية الحضرية والإسكان، الحكم المحلي والمجتمع المدني، وآليات التنفيذ.

حول شعبة التنمية المستدامة والإنتاجية :
تهدف شعبة التنمية المستدامة والإنتاجية الى تحسين الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية في المنطقة، مع التركيز على المياه والطاقة وقطاعات الإنتاج والبيئة، ومراعاة قضايا تغيّر المناخ، وتنمية المؤسسات، والزراعة المستدامة والتنمية الريفية. وتضطلع الشعبة بالمهام الرئيسية الآتية: تعزيز التعاون الإقليمي ودون الإقليمي في مجالات الطاقة والموارد الطبيعية والبيئية والزراعة والصناعة، ومساعدة البلدان الأعضاء على تنسيق سياساتها وإجراءاتها ومعاييرها ذات الصلة؛ وتشجيع الإدارة المتكاملة للموارد المائية والمساهمة في آليات التوزيع العادل للموارد المائية بين بلدان المنطقة؛ ومراقبة تنفيذ "خطة العمل 21" في المنطقة، ومساعدة البلدان الأعضاء على صياغة السياسات البيئية وتطويرها وتنفيذها؛ ومساعدة البلدان الأعضاء على إدخال المتغيرات العلمية والتكنولوجية في التخطيط الاجتماعي والاقتصادي، بغية تأمين تنمية مستدامة؛ وأخيراً دعم القطاع الخاص وتطوير المبادرة الفردية.