تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني 2014

28 تشرين الثاني/نوفمبر 2014
بيروت، لبنان



كلمة معالي الدكتورة ريما خلف

وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا

بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني

 
معالي السيد شوقي عيسى، وزير الشؤون الاجتماعية والزراعة لدولة فلسطين،
معالي الدكتور حسن منيمنه، رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني،
سعادة السيد ديريك بلامبلي، المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان،
ضيفتنا الكريمة ميريي فانون منديز فرانس،
أصحاب المعالي والسعادة،
الحضور الكريم،
 
أقف معكم في يوم آخر للتضامن مع الشعب الفلسطيني.  وإذ لا أشكك لحظة في أهمية هذا التضامن، قد أوافق الكثيرين تساؤلهم: ماذا يعني هذا اليوم لشعب لم تثنه عن صموده في أرضه، متمسكاً بالحياة وبحقه، عقود من الاستلاب والقهر.  عقود توالت خلالها الحروب والهُدَنُ، واتفاقيات السلام والمذابح.  كلها عمّقت من استباحة الحق الفلسطيني، والشعب لم يهادن في انتظار العدل والسلام.
 
فقبل ست وستين سنة، قرّرت القوى العظمى في المجتمع الدولي تقسيم أرض فلسطين التاريخية إلى دولتين.  ووعدت بألا ينتقص ذلك من حقوق سكانها الأصليين، ومنها إقامة دولتهم.  لا القرارات نُفّذت ولا الوعود تحققت.  والفلسطينيون منذ ذلك الحين في حالة تهجير قسري من بلادهم، وفي بلادهم.  محيت قراهم بالمئات عن الخريطة.  غيّر اسمُ وطنهم، بل وتغيرت أسماؤهم، وهوياتهم، وصار أغلبهم لاجئين.  أصبحت الأرض من تحتهم معارة لا تثبت، كسائر الأرض.  والسماء فوقهم قماش خيم أو سقائف من الزنك، لا تثبت كسائر السماء. ذهبوا إلى المخيمات مضطرين لينجوا من الموت المسلح، فإذا الموت المسلح ينتظرهم في المخيمات التي لجأوا إليها. وأصبحت أسماء قراهم، ومخيمات لجوئهم، أسماءً لمذابح تتوالى. من دير ياسين قرب القدس قبل ست وستين سنة، إلى مخيم الشاطئ وحي الشجاعية في غزة، قبل أشهر.
 
الحضور الكريم،
 
منذ قيامها، وضعت إسرائيل الفلسطينيين بين ثنائيات قاتلة.  الموت في القرية أو الموت في المخيم.  القهر في الاعتقال القسري، أو القهر في الانتقال القسري.  فإما مشرد من بلد إلى بلد، بيوته مؤقتة، وفي بعض الأحيان، قبره أيضاً مؤقت، أو محاصر في مكانه لا يستطيع أن يبرحه، في مدينة محاصرة، أو قرية محاصرة، أو شارع محاصر، أو زنزانة موصدة.  إسرائيل تكرر أحداث عام ثمانية وأربعين كل عام.  وما حدث في الساحل الفلسطيني قبل ست وستين سنة، تكرره في جبال فلسطين الشرقية وفي غزة بأشكال شتى، في الحروب وفي استراحات السلم؛ تكرره والهدف واحد: كسر روح الشعب الفلسطيني وغرس الهزيمة في وجدانه.
 
ولكن الرياح تجري بما لا يشتهي المحتل الإسرائيلي.  والاستلاب والقمع لا يزيدان الشعب الفلسطيني إلا صلابة وتمسكاً بأرضه وحقه.  وكأي مستعمر ثملٍ بالقوة ترى إسرائيل في أي مقاومة مادية لطغيانها إرهاباً، وفي أي مقاومة لفظية له تحريضاً على الإرهاب.  وكأي مستعمر لم يعتبر من التاريخ، تصعّد التخويف والترهيب على وهم أن يؤدي استخدام القوة المفرطة ضد الشعوب المطالبة بحريتها، إلى إخضاعها.
 
فها هي تتمادى في سياسة الاستيطان في الأراضي المحتلة في خرق سافر للقانون الدولي ولاتفاقية جنيف الرابعة.  ولا تزال تهدم بيوت الفلسطينيين، وتصادر أملاكهم وتسمح للمستوطنين بالتصرف كما يشاؤون بممتلكات السكان الأصليين وأرواحهم. وقد أصبحت المستوطنات تستحوذ على قرابة 40 في المائة من أراضي الضفة الغربية.  أما في القدس، فالبيوت وأهل البيوت رهائن لدى إسرائيل.
 
وهذه السنة، سنة 2014، كان من المفترض أن تكون سنة للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
وإذا بإسرائيل تزداد صلفاً وبسياساتها وممارساتها تزداد دماراً.  تهجير للفلسطينيين بهدف خلق واقع ديمغرافي يناسبها؛ والاستيلاء على الأرض بهدف بسط سيطرتها المطلقة؛ والقمع بهدف خنق أي محاولات للمقاومة أو لرفض ما يحدث.  والقضية جرح في قلب المنطقة العربية، ينزف عنفاً ودماً وتأخراً وانتهاكاً للحقوق.  وقلب بعض هذا العالم ما زال مقفلاً دونها.
 
وتستخدم إسرائيل شتى الوسائل المنافية للقانون الدولي من إجراءات وأوامر عسكرية لتحقيق مآربها.  ففي حرب السبعة أسابيع الأخيرة، قصفت إسرائيل البيوت على رؤوس أهلها العزّل، فقتلت تحت ركامها الأطفال والنساء والمسنين.  وما نشهده الآن في القدس الشرقية دليل ساطع على سياسات الفصل والتمييز العنصري.  حيث تمارس إسرائيل سياسة معلنة لتغيير التوازن الديمغرافي في القدس المحتلة بهدف خلق أغلبية يهودية مقابل الأديان الأخرى.  ولا توفر لذلك طريقة، من التضييق الاقتصادي، والتهويل والإرهاب، واحتلال البيوت وتفريغها من أهلها. فكان الانفجار الذي نراه اليوم في مدينة السلام نتيجة محتمة.
 
وتشهر إسرائيل مطلبها بالاعتراف بها كدولة "للشعب اليهودي، وللشعب اليهودي فقط"، على حد قول رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو.  ولم تخجل من تصاعد الخطاب العنصري لدى قياداتها ومسؤوليها خلال حرب غزة، إذ علت النداءات لإبادة سكان القطاع ولقتل الأمهات الفلسطينيات عقاباً لأبنائهن.
 
الحضور الكريم،
 
كثيرون هم المتضامنون مع الشعب الفلسطيني والمؤمنون بمعنى هذا التضامن، من دول ومنظمات وأفراد.  والنوايا الطيبة كانت دائماً على سباق مع أعمال الهدم والتدمير.  واليوم، كلنا أمل في الإسراع في إعادة إعمار ما تهدم في الأرض الفلسطينية المحتلة، وكسر الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة، براً وبحراً، لأنه ضرورة إنسانية وسياسية.
 
ومهما تعددت جهود التضامن واتسع نطاقها، يبقى الحل الذي لا بديل عنه، هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأرض الفلسطينية والعربية المحتلة.  والحل كي يكون عادلاً ودائماً لا بد من أن يستند إلى القانون الدولي مرجعية أساسية، بما يكرسه من حقوق، ومنها حق العودة، فلا يجوز أن يقبل أحدٌ أن تساوم إسرائيل، وأن تنفذ ما يروق لها فقط من مواد القانون الدولي وشرائعه.
 
فميثاق الأمم المتحدة، وجميع المعاهدات التي وضعت لإنقاذ العالم من تجارب الماضي الأليمة وتحصين مستقبله منها، لا تقبل بالنظم السياسية التي تقوم على التفرقة بين الناس على أساس اللون أو الجنس أو الدين.  وقانون العودة الإسرائيلي كما مشروع القانون الجديد الذي تعده إسرائيل حول يهودية الدولة، يفرق بين الناس على أساس الدين.  فلو افترضنا أن ملايين اللاجئين الفلسطينيين، مسيحيين ومسلمين وبهائيين وغير ذلك، تحولوا بمعجزة بين عشية وضحاها إلى دين معين، لكانت دولة إسرائيل تسمح لهم بالعودة إلى بلادهم بمقتضى قانون العودة.  ولو أن ملايين الفلسطينيين القاطنين في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، تحولوا إلى ذلك الدين، لأصبح لهم الحق في التصويت على القوانين واللوائح المسلطة على حياتهم منذ أكثر من سبع وأربعين سنة.  ولكان لهم الحق في استخدام عشرات الطرق السريعة المعبدة في أرضهم والتي تحرمهم قوة الاحتلال من استخدامها.  ولأصبحت بيوتهم وأراضيهم محصنة من المصادرة لإقامة المستوطنات عليها.  بل لصارت قوة الاحتلال تبني لهم البيوت ولا تهدمها.
 
الحضور الكريم،
 
 إسرائيل تمارس الاستعمار والتفرقة العنصرية التي باتت منبوذة من الجميع إلا مقترفيها. وهي في ذلك من بقايا تاريخ استعماري طويل مؤلم، حافل بالدروس.  ومن دروسه أن الاستعمار لا ينتصر، لأنه منافٍ لطبيعة الحياة واستمراريتها.  ولنا في التاريخ معلم، إذ لم يستقم يوماً سلام من غير العدالة والحق.  والعدالة هي ببساطة ألا يحدث في فلسطين كل ما يحدث.
 
 فالإنسان حسب الفيلسوف والمناضل ضد الاستعمار فرانز فانون: "لا يثور بسبب ثقافة أو حضارة، بل عندما يكاد يقضي اختناقاً".
 
 واليوم، إذ نتضامن مع الشعب الفلسطيني سنة بعد سنة، نعتذر منه.  نعتذر لا عن التضامن، بل على طول الأمد ومر السنين.  وإذا كان لنا من داعٍ للتفاؤل، فهو بما رأته أعيننا ولمسته أيدينا من صبر هذا الشعب الأبي وصموده، وأمله العنيد.  هذا الأمل هو الذي يلهمنا.  وإن لم ينل اليأس من أهل البيوت المهدمة وأسر الضحايا المنكوبة، فلا يجوز أن ينال منّا، إلى أن يشرق في الغد القريب سلام من مدينة السلام.
الأمين التنفيذي: