تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

حفل إطلاق تقرير الإسكوا "التكامل العربي: سبيلاً لنهضة إنسانية"

25 شباط/فبراير 2014
تونس

كلمة معالي الدكتورة ريما خلف

وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا

بمناسبة حفل إطلاق تقرير الإسكوا "التكامل العربي: سبيلاً لنهضة إنسانية"

فخامة الرئيس محمد المنصف المرزوقي،
دولة الرئيس نجيب ميقاتي،
أصحاب المعالي والسعادة،
الحضور الكريم،
 
كم يسعدني أن أقف معكم اليوم لإطلاق تقرير الإسكوا حول التكامل العربي. فأي سبب أدعى إلى السعادة من أن نطل على العالم بتقرير يدعو إلى نهضة عربية شاملة، من بلد علّمنا أن مثل هذه النهضة ممكنة، ومع شعب أراد، فوهبنا شعلتها.
 
تونس ليست البلد العربي الأكثر سكاناً ولا الأكبر مساحة.  ولا هي الأوسع ثروة وثراءً.  ولكنها أضحت الأغنى عربياً بإنجازها الديمقراطي، وبدستورها الذي تقدم على كل سواه في حماية الحريات والحقوق وصون الكرامة الإنسانية.
 
لم تخْلُ مسيرة التحول الديمقراطي في تونس من أزمات سياسية وأمنية.  وكغيرها، لم تسلم من عبث الآخرين.  ولكن، على خلاف غيرها، كانت قوى الثورة التونسية أكثر وعياً وأوسع حيلة، فمنعت أعداء التقدم من استلاب ثورتها، وحصّنت الوطن من العودة إلى الاستبداد، والمجتمع من الانزلاق إلى العنف.  وبهذا قدمت تونس لشعبها قاطرة لغد آمن ومزدهر، وللعرب من حولها أملاً ونموذجاً في التحرر من واقع ضيّق عليهم العيش، وسرق منهم المستقبل.
 
ولم يتأت الإنجاز التونسي عن دعم من المانحين أو من العالم الخارجي، بل ربما تحقق بسبب غيابه.  إنه إنجاز تونسي خالص تأتى عن رشدٍ ونضج سياسي عزّ نظيره، نضجٍ جسدته القوى السياسية التونسية جميعها، ودلّل عليه تغليبُها التوافقَ على الغلَبة، والحوار على التنابذ، والمشاركة على الإقصاء.  ويُحسب لهذه القوى بصيرة نافذة حدت بها للتضحية بمصالح فئويةٍ إعلاءً للصالح العام، وقدرة على تحويل الاختلاف في الرؤى من داعٍ للتمزق والاحتراب، إلى منبع لإبداع الحلول والتقدم.
 
الحضور الكريم،
 
لقد ألهمت ثورات الحرية والكرامة جميع العرب وأحيت لديهم آمالاً بالنهضة والعزة، آمالاً كانت قد اختطفت منهم عنوة تحت وطأة القمع والتخلف.  لكن هذه الثورات دبت في الوقت نفسه حياة وحيوية في شرائح من المجتمع تزلّفت للاستبداد دهراً واعتاشت على فساده، فهبت لإجهاض أي تغيير يضر بمصالحها، وأفرزت آليات للدفاع عن نفسها من جنسها.  وعقدت هذه الشرائح تحالفات مع قوى إقليمية تقوض الديمقراطية في الجوار شرعيتَها، وأخرى عالمية يهدد حكمُ الشعوب العربية لنفسها، بعضاً من أهم مصالحها.  وقد حاصر هذا التحالف قوى الثورة، وعرقل عجلة التحول الديمقراطي في أكثر من بلد عربي مستخدماً وسائل بعضها مستعار من أمهات المراجع الدولية في إحباط الثورات، وبعضها مستلهم من أدوات الثورات العربية ذاتها.  وفي مشهد عربي آخر استشرست قوى الماضي في قمع أي حراك شعبي فأقحمت بلدانها في فوضى هدامة، وشعوبها في صراعات مدمية.  فبات البعض يتغنى بفشل الثورات العربية، والبعض الآخر يحذّر من تبعاتها.
 
يتناول التقرير الذي بين أيديكم ما سمي بالربيع العربي، ويقر بأن درب التحول نحو الديمقراطية والحكم الصالح درب طويلة، ووعرة، ومحفوفة بالمخاطر.  ولكنه لا يرى إمكاناً لعودة الاستبداد حتى وإن ارتدى حلة العصر.  فقد خلقت الثورات إنساناً عربياً جديداً، كسر حاجز القهر والخوف، وبات أكثر إدراكاً لحقوقه، وأكثر ثقة بقدراته وإمكانياته، وأكثر اعتزازاً بثقافته، فانطلق في مسار لا رجعة عنه.  قد يُهزم هذا الإنسان في جولة، وقد يخسر بعضاً من حرياته في أخرى، ولكنه لن يستكين أو يساوم على كرامته حتى تتحقق أحلام له، أصبح يراها حقاً، لا منة أو مكرمة من أحد.
 
السيدات والسادة،
 
كان هذا الوعد بالتغيير والذي فتح أبواب المستقبل العربي مشرعة على احتمالات أرحب، هو ما شجعنا في الإسكوا على إعادة طرح موضوع التكامل على ساحة الفكر العربية.  فأي تغيير يقرّب بين أنظمة الحكم وإرادة شعوبها لا شك ينقل مشروع التكامل العربي من حيز المرتجى البعيد، إلى حيز المرغوب القريب.  وعلى هذا الأمل، تعاوننا مع نخبة مميزة من المثقفين والخبراء العرب، فكان هذا التقرير.  وهو يقيّم إنجازات مسيرة التكامل العربي ويحلل أسباب قصورها، لا لتوجيه أصابع الاتهام إلى أحد، ولكن لاقتراح ما يحيي هذا المشروع سبيلاً لنهضة شاملة تحقق طموحات العرب وتمكنهم من استئناف دورهم في الحضارة الإنسانية.  
 
والتكامل ليس بدعة اخترعناها.  فقد أدركت الدول العربية قبل غيرها أهمية إنشاء تكتل قوي ومنيع، يحفظ لها استقلالها، ويُعينها على النهوض باقتصاداتها.  فعقدت منذ منتصف القرن الماضي معاهدة للدفاع المشترك هدفت منها إلى حفظ كِيانها وصون أمنها.  كما أقرت الدول العربية اتفاقيةً لإنشاء وحدة اقتصادية كاملة بينها، اتفاقيةٌ كانت رائدة في زمانها من حيث ضمانها لحرية انتقال البشر والأموال والسلع، وحريات العمل والتملك.
 
لكن عقوداً ستة مضت على توقيع تلك الاتفاقيات دون أن تحقق الدول العربية إلا نَزراً يسيراً من أهدافها.  فتبدد الدفاع المشترك عندما انصاع الراعي للذئب، وتقلصت الوحدة الاقتصادية إلى منطقة تجارة حرة ما انفكت الدول العربية تحاول تنفيذها في حدِّها الأدنى حتى يومنا هذا.
 
وبينما كانت الأهداف الرسمية للتكامل العربي تأخذ منحى انكماشياً وتنازلياً، كان العالم يشهد صعود كيانات اقتصادية عملاقة في جميع مناطقه.  فقد أيقنت معظم دول العالم أن فرصها في المنافسة والنماء تتواضع عند دخولها منفردةً، عصرَ العولمة والمنافسة الشرسة، وتتعاظم باتساع الكيان الإقليمي الذي تنتمي إليه.  وهكذا، كانت عصي الآخرين تجتمع كي لا تتكسر، بينما العرب يتفرقون شيعاً ويضيّعون فرصاً ثمينة كان التكامل سيتيحها لهم لتحرير الإنسان العربي من الخوف والعوز، والأوطان من الاستباحة والتبعية.
 
والتقرير يبحث في أسباب هذا القصور، فيجد أن كثيراً منها عائدٌ إلى علل ذاتية.  لكن مشروع التكامل العربي لم يسلم من غوائل التدخل الخارجي الذي لم يبدأ مع بدء هذه المشروعات، بل تعود جذوره إلى ماض بعيد.  وقد عقدت قوى استعمارية العزم على منع أي جهد للتوحد بين العرب، فقطعت أوصال البر الشامي، وحفرت أخدوداً جغرافياً وسياسياً عميقاً في فلسطين لعزل مشرق العالم العربي عن مغربه.
 
حصيلة التشرذم كانت كارثة على جميع العرب.  ولا تخطئ عين الناظر في الحال العربية ما ولدته عقود من الفرقة والضعف التنموي.  مزيج متفجر من المخاطرٍ والتحديات، ليس أقلَّها الاستباحة الخارجية والبؤس الإنساني.
 
وتتعدد أشكال الاستباحة الخارجية للحقوق والكرامة العربية، ويبقى أسوأها الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والجولان السوري، وأراض لبنانية.  احتلال يستمر دون رادع في خرق سافر للقرارات والمواثيق الدولية. 
 
ويرى فريق التقرير أن ضرر السياسات الإسرائيلية لا يتوقف عند احتلالها للأراضي العربية، بل يقدِّر أن السياسات العدوانية الإسرائيلية، من دعم للفتنة في البلدان العربية سعياً إلى إقامة دول الطوائف فيها، إلى برنامج نووي يبقى خارج كلّ رقابة دولية، باتت مصدر خطر دائم على أمن المواطن العربي في المنطقة بأسرها.
 
ولعل أشدَّ هذه السياسات خطراً هو إصرارُ إسرائيل على اعتبارها دولة لليهود فقط انتهاكاً لحقوق المسلمين والمسيحيين من سكان الأرض الأصليين، وفي إحياء لمفهوم النقاء العرقي والديني للدول الذي جلب على الإنسانية أقبح ويلات القرن العشرين.
ويرى التقرير أن الحقوق العربية لم تكن لتستباحَ بهذا الشكل السافر، وأن القدس لم تكن لتُخنق تحت سياسات التهويد ومصادرة الأراضي وطرد السكان، وأنّ المقدسات الإسلامية والمسيحية لم تكن لتنتهك حرماتها، لو وحّد العرب مواقفهم ونسقوا جهودهم حمايةً لها ولنفسهم، ولا أقول لو التزموا بما تعاهدوا عليه من دفاع مشترك.
 
وقد يكون في الخلل الداخلي، ضرر بالأمن القومي العربي، لا يقل خطورة عن الاستباحة الخارجية.  فقد بات التلاحم الاجتماعي مهدداً في عدد من البلدان العربية بعد عقود من القهر صودرت خلالها الحقوق وقمعت الحريات، فأوهنت علاقة المواطن بالوطن وحَدَت به إلى الانكفاء وراء هويات فرعية على حساب الانتماء الأكبر.  ولم يُغفل التقرير أثر أزمة ثقافية جمّدت الإبداع والفكر فتأسن التراث، ودخل الناس في سباق نحو المغالاةِ في التعصب ونبذ الآخر.  وكانت نتيجةُ هذا وذاك، تصاعدَ التوترات الإثنية والمذهبية والنزعات الانفصالية في بعض المجتمعات العربية، فهدد وحدة الدول، وسلمها الأهلي، وأمنها القومي.  وتزايدت المعاناة الإنسانية، واستفحلت ظاهرة النزوح واللجوء حتى صارت المنطقة العربية التي تضم أقل من خمسة في المائة من مجموع سكان العالم، مصدر أكثر من نصف لاجئيه.
 
ولم يكن الأداء العربي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية أفضل حالاً، إلا إذا كان مقياسَنا بناءُ البروج الزجاجية الخلابة أو استهلاك المعارف والطيبات التي ينتجها الآخرون.  فلا يُخفى على أحد ما خلفه القصور التنموي من هشاشة اقتصادية، وبطالة وفقر وظلم إنساني.  شواهدُ كثيرة يوثقها التقرير، أكتفي بذكر بعض منها على سبيل المثال لا الحصر.
 
بعد عقود تتالت خلالها خطط التنمية على أنواعها، ها هو العالم العربي اليوم أقل تصنيعاً مما كان عليه في ستينيات القرن الماضي، وها هي المنطقة العربية تنافس على المرتبة الدنيا بين مناطق العالم في مستوى الإنتاجية.
 
ورغم مظاهر الثراء الفاحش، اتسعت دوائر الفقر حتى أسرت خُمس العرب.  والبطالة ما فتئت ترتفع حتى بات ربع شبابِ العالم العربي اليوم وخُمسُ نسائه محرومين من عمل يوفر لهم عيشاً لائقاً.  وسوء التغذية ينتشر حتى أصبح يطال خمسين مليون عربي، وأصبح أكثر من نصف مليون طفل في اليمن، وأكثر من مليون طفل في الصومال مهددين بالموت جوعاً.
 
وانتشر الفساد بمختلف أشكاله، فتبوأت دول عربية مراكز متقدمة على لوائح الفساد العالمية.  وتبين دراسات دولية أن متوسط الأموال العربية المستحوذة بطرق غير شرعية والمهربة إلى الخارج، قد تعدى مائة وأحد عشر مليار دولار في السنة.  وقد قوّض تلازم القمع والفساد قدرة المجتمع على العطاء، وبات الناس مشغولين إما في كيفية تجنب المظالم أو في جني المغانم.
 
لا شك أن السياسات التنموية قد أخفقت في تأمين الحياة الحرة الكريمة للغالبية الساحقة من مواطني الدول العربية، وأن مسيرة العمل العربي المشترك قد قصّرت عن تحقيق غاياتها، فخيّبت آمال عرب اليوم، وصغّرت المستقبل لعرب الغد.
 
الحضور الكريم،
 
نقضاً للمسار الراهن، يقدم التقرير رؤية استراتيجية للتكامل المفضي إلى نهضة حضارية تشمل جميع مناحي البنية المجتمعية والمبادئ القيمية، وتضمن حق جميع مواطني الدول العربية في العيش الكريم والرفاه المادي والمعنوي، بغض النظر عن عرقهم أو دينهم أو جنسهم.
 
وترتكز استراتيجية التكامل على أركان ثلاثة أولها تعاون سياسي عربي يدعم إقامة الحكم الديمقراطي الصالح الذي يضمن المساواة في المواطنة، والعيش في كنف الحرية والعدالة والكرامة لكل مواطن أينما حل في الوطن العربي.  وفي رحاب التعاون السياسي هذا، يمكن للعرب تشكيل كتلة حرجة تحقق المناعة والمنعة لأعضائها وتعمل متجانسة موحدة في المحافل الدولية لإنهاء الاستباحة المزمنة لحقوق العرب، ولتحرير ما اغتصب من أرض عربية.
 
وتدعو الاستراتيجية في ركنها الثاني إلى تعميق التكامل الاقتصادي بدءاً باستكمال تنفيذ نشاطات التكامل العربي القائمة ووصولاً إلى إقامة وحدة اقتصادية عربية كاملة.
 
أما الركن الثالث للاستراتيجية، والذي ربما يكون الأكثر إلحاحاً فهو الإصلاح الثقافي والتربوي الذي يعيد إحياء ثقافة الإبداع ويصلح ما أفسدته عصور الانحطاط والاستبداد في الفكر والعلم والأخلاق والقيم، ويفكك البنى الفكرية والثقافية المحركة لنزعات الانغلاق والتطرف، ونزعات التبعية والانبهار بكل ما هو أجنبي.  فبمثل هذه النهضة الثقافية تُكوّن النخب المبدعة فتقيم العمران الناهض وتبني مجتمعات المعرفة واقتصاداتها، والتي بدونها لا تستقيم تنمية في عالم غدت فيه المعرفة هي التي ترسم الحدودَ الفاصلة بين الثراء والفقر، وبين القدرة والعجز، وبين الإنجاز والإحباط. 
 
كانت هذه أركانَ رؤية استراتيجية قد تبدو للبعض بالغة الطموح من منظور الواقع العربي الراهن.  لكن منتهى هذه المسيرة يستحق العناء، وتأجيلُ الشروع بها لن يؤدي إلا إلى تطويلٍ للإغراء بالتدخل، وتسعيرٍ لنار الفتنة الداخلية، وإهدارٍ لطاقات المجتمع الخلاقة.
 
وإدراكاً بأن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، يقترح التقرير بعض الإجراءات الأولية التي يمكن لها توثق عرى التواصل بين مواطني الدول العربية، وأن تسهم في خلق بيئة تساعد في تقييد الاستباحة الخارجية، في الأمد القصير.  وتتسم هذه الإجراءات بسهولة إنجازها، وعدم ترتيبها أعباءً تفوق طاقات  الدول العربية في الوقت الحالي.
 
فعلى صعيد إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وحماية بعض حقوق ضحاياه، لم يسأل التقرير الدول العربية تجهيزَ جيوش لدحر الاحتلال أو تخصيصَ المليارات لدعم الفلسطينيين الصامدين على أرضهم.  فقط التمس منهم في الأمد القصير حظر التعامل مع المستوطنات الإسرائيلية وذلك تمثّلاً بما قررته الدول الأوروبية، والعمل على استصدار قرار من المحكمة الدولية يحظر على إسرائيل إصدار شهادات منشأ لمنتجاتها، ويلزم الدول الأخرى بالتعامل مع المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية والعربية المحتلة ككيانات غير شرعية.
 
وتسهيلاً لانتقال البشر، لم يصرّ التقرير على إلغاء تأشيرات السفر للعرب وإن تمنى ذلك، وكان جلُّ ما أوصى به في الأمد القصير هو أن تتم معاملة العربي معاملة مواطني الدولة الأولى بالرعاية فيما يتعلق بالدخول إلى بلدان عربية أخرى.
 
وعلى صعيد تخفيض كلفة التعامل التجاري، ركّز التقرير في توصياتِه للأمد القصير على الإسراع في إنشاء البنى التحتية ومنها الجسر الرابط بين شقي الوطن العربي في آسيا وأفريقيا.  وقد بيّن بالتحليل العلمي الدقيق أن إجراءات بسيطة كتخفيض كلفة النقل وزيادة حجم العمالة المتبادلة بين الدول العربية سيرفع الناتج العربي بأكثر من 750 مليار دولار في غضون سنوات قليلة، وسيوفر أكثر من ستة ملايين فرصةِ عمل جديدة.
 
قلتم يا فخامة الرئيس: "من السذاجة محاولة تغيير العالم، ومن الإجرام عدم المحاولة".  هذه هي محاولتنا.  محاولة نأمل من فخامتكم أن تحملوها معكم إلى القمة العربية القادمة، لعلها تنظر فيها وتقر ما تستنسبه من توصيات  للأمد القصير، وهو أضعف الإيمان.  فقد يكون في ذلك خطوة أولى نحو الخروج من المأزق الراهن الذي لم يعد يورث إلا القصور والعجز.
 
الحضور الكريم،
 
كانت هذه جولة سريعة في تقرير التكامل العربي للتعريف بجهد قامت عليه الإسكوا بالتعاون مع نخبة مميزة من المفكرين والخبراء العرب، جهد مهما كانت درجة التزامه بقواعد البحث، ومهما ارتقت أساليب نظره، يبقى اجتهاداً يختلف الناس حول دقة توصيفه وتحليله، وحول نجاعة توصياته.  والأمل أن يطلق هذا التقرير حواراً عربياً، اتفاقاً أو اختلافاً يؤدي إلى تطوير ما ورد فيه.  فلا بد للأمة العربية من أن تنهض من أجل نفسها ومن أجل غيرها. فنهوضها ضرورة عليها وحق لأجيالنا المقبلة، والعالم بحاجة إلى أن يثرى بعطائها، وأن يغتني بقيم التسامح فيها حين تصفى من شوائبها، وحين تنفض عن كاهلها أرزاء الجهل، وأعباء الاستبداد.  فلم تعد أمامنا برهة للتقاعس عن إنجاز أنبلِ المهام وأعظمها.
 
وختاماً، أتوجه بالشكر الجزيل لفريق المؤلفين على إسهامهم المبدع ومهنيتهم الرفيعة وتفانيهم في هذا العمل، ولأعضاء المجلس الاستشاري الذين أسدوا للفريق النصح والمشورة اللذين ما كان للتقرير أن يصدر دونهما بهذا الشمول وهذه الرصانة.
 
ولا يفوتني أن أعرب عن بالغ التقدير لدولة الرئيس نجيب ميقاتي للدعم المتواصل الذي توليه الجمهورية اللبنانية للإسكوا ونشاطاتها، ولتكبده شخصياً عناء السفر من بيروت إلى تونس للمشاركة في هذا الحفل.
 
والشكر لكم جميعاً لحضوركم وتفاعلكم معنا اليوم. والشكر الجزيل لفخامة الرئيس محمد المنصف المرزوقي على رعايته إطلاق هذا التقرير، واتساع صدره لرأي لم يتصنّع ولنصيحة لم تداهن.
 
الأمين التنفيذي: