تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

إطلاق التقرير العربي للأهداف الإنمائية للألفية 2013 مواجهة التحديات ونظرة لما بعد عام 2015

23 أيلول/سبتمبر 2013
نيويورك

كلمة معالي الدكتورة ريما خلف

وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا

معالي الدكتور نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية،

معالي الدكتورة سيما بحوث، رئيسة مجموعة الأمم المتحدة الإنمائية للدول العربية،

سعادة السفراء المندوبين الدائمين في الأمم المتحدة، حضرة الزملاء ممثلو وكالات الأمم المتحدة وشركاءنا في التنمية،

السيدات والسادة،

إنه لمن دواعي سروري أن أطلق معكم اليوم التقرير العربي للأهداف الإنمائية للألفية. وها نحن من جديد نتحدث عن التنمية حقاً مشروعاً لكل إنسان، ومساراً لا بدّ منه، نَعبُر به من التوتر إلى الاستقرار، ومن الحرمان إلى الرفاه الاقتصادي والاجتماعي والفكري. التقرير الذي بين أيديكم يعرض ما حققته المنطقة العربية من الأهداف الإنمائية منذ عام 1990، فيشيد بالإنجازات، ويشخِّص النواقص، ويقدم رؤية المنطقة حول خطة التنمية لما بعد عام 2015. وبقدر ما يتيحهُ لي الوقت، إسمحوا لي أن استصحبَكم في جولة سريعة في ثنايا هذا التقرير فنقفَ معاً على ما حققته المنطقة من إنجازاتٍ في الفترة الماضية، وهي كثيرة، وما لا يزال عليها إنجازُهُ في المستقبل، وهو الأكثر، في ظل ما تشهده منطقتنا من ظروف استثنائية. يبيّن التقرير الإنجازات الكبيرة التي حققتها مجموعة البلدان العربية في معدلات الالتحاق بالتعليم الابتدائي والإلمام بالقراءة والكتابة، والتقدمَ الملموس الذي أحرزته في تعزيز المساواة بين الجنسين في التعليم بجميع مراحله. ولا ريب أن الاستثمارات الكبيرة التي ركزت على قطاع التعليم خلال العقود الماضية، قد مهدت لهذا الإنجاز الذي يؤهل المنطقة لتحقيق هدفي تعميم التعليم والمساواة فيه. ويبيّن التقرير أيضاً أن المنطقة تمكنت من تخفيض معدلات وفيات الأطفال وتحصين صحة الأمهات، في إنجاز يمهد لتحقيق العديد من الغايات في صحة المجتمع ورفاهه. إلا أن المكاسب المحققة في التعليم والصحة لم تشمل جميع بلدان المنطقة، إذ كان الركودُ أو التراجع في المؤشرات نصيبَ البعض منها، ولا سيما تلك التي تعرضت في الآونة الأخيرة لنزاعات وحالات عدم استقرار مثل السودان وسوريا والعراق. ومرة أخرى نتوقف عند فلسطين مثالاً فريداً في منطقتنا وفي العالم، حيث لا يزال الاحتلال الإسرائيلي، بإجراءاته التعسفية، يدمر قدراتِ المجتمع الفلسطيني، ويهدم كلَّ أمل له في النمو والنماء ما دام يُحرم من أبسط حقوقه في بناء دولته المستقلة وتقرير مصيره على أرضه وفق ما تقرّه الشرعية الدولية لكل شعب. وعلى صعيد المنطقة ككل، تبدو الإنجازات المحققة على سباق مع مؤشرات تثير القلق، وقد تُبدّدُ ما تحقق. فنحن أمام أرقام تشير إلى معدل بطالة في عام 2013 يفوق المستوى الذي كان عليه في عام 1990. فربع شبابِ العالم العربي وخُمسُ نسائه هم اليوم من دون عمل يوفر لهم عيشاً لائقاً. وتشير الأرقام كذلك إلى انتشار سوء التغذية بمعدلات لم تشهدها المنطقة من قبل، لتطالَ خمسين مليون شخص، بعد أن كان العدد ثلاثين مليون في عام 1990. وقد اشتدت أزمة المياه في بعض البلدان العربية، حتى باتت تعاني من نقص حاد في مياه الشرب. ولا تزال مؤشرات مشاركة المرأة في العمل السياسي متدنية في معظم البلدان العربية. وإن دلّ ذلك على شيء، فعلى إخفاق في البناء على ما حققته المرأة من مكاسب في التعليم والصحة. الحضور الكريم، عندما نقارن المنطقة العربية بسائر مناطق العالم النامية، نجد نِعماً تستحق الذكر. فهي من أقل مناطق العالم اكتواءً بنار الفقر المدقع. ولكن عندما نقارن حالة المنطقة اليوم من حيث الفقر بما كانت عليه قبل ربع قرن، لا نجد تحسناً يُذكر. فنسب الفقر التي تراجعت في مختلف مناطق العالم النامية، بقيت في المنطقة العربية تراوح عند المستوى الذي كانت عليه في عام 1990. وقد حصل ذلك رغم ارتفاع دخل الفرد خلال تلك الفترة، مما يشي بخلل في توزيع مكاسب التنمية، قد يَذهبُ بكل استقرار سياسي واجتماعي. ولنا في الواقع أكثرُ من دليل. الحضور الكريم، قد نكون اليوم أمام الفرصة الأخيرة قبل عام 2015 لتقييم إنجازاتنا في تحقيق أهداف الألفية، غير أننا بالتأكيد لسنا أمام الفرصة الأخيرة لتحقيق غاياتنا التنموية. فمشروع التنمية هو نهجٌ شاملٌ ومتصل لن يتوقف في عام 2015، بل سيتواصلُ في إطار جديد نأملُ أن يكون نحو تحقيق المزيد من الرفاه للإنسان، فيقرّبَ البعيد من الطموحات، ويغني الواقع بمزيد من الإنجازات. ولتحقيق ذلك، يدعو التقرير إلى اعتماد نموذج إنمائي جديد يتجاوز الأفق الاقتصادي الضيق فيلتمسُ الترابط بين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في تشخيص العلة، وفي وصف العلاج. ولعلّ أهمَّ أدوات العلاج إصلاحُ نظم الحكم، الذي لم يحظَ باهتمام كاف في إطار الأهداف الإنمائية للألفية. ولعل غيابَ هذا البعد عن أهداف الألفية يفسر الظاهرة التي شهدناها مؤخراً، وقد بدت في حينها محيّرة لذوي الأفق الاقتصادي الضيق. فالبلدانُ التي سجلت أهم الإنجازات في تحقيق أهداف الألفية، كانت هي ذاتُها التي عصفت بأنظمتها موجاتٌ شعبية بأعدادٍ ومشاهدَ غيرِ مسبوقة تطالب بالتغيير في نظم الحكم، وبعقد اجتماعي وسياسي جديد يكرّس الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. الحضور الكريم، نأمل أن يقدمَ هذا التقرير رؤيةً لما بعد 2015 تتيح لنا فرصة للتفكير في سبل تحقيق تنمية إنسانية، تضمن الرفاه الإنساني، بكل ما يقتضيه ذلك من عيش لائق وحياة كريمة، في رحاب الحرية، وفي كنف الإبداع والعمل الخلاق. إنما هذا هو المقياسُ الحقيقي، لا بل الأوحد، لنجاح كل حكم، وهو الثروة الحقيقية لكل أمة. وشكراً لكم.

الأمين التنفيذي: