تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

افتتاح الدورة الوزارية الـ27 للإسكوا

9 أيار/مايو 2012
بيت الأمم المتحدة، بيروت

كلمة معالي الدكتورة ريما خلف

وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا

دولة رئيس مجلس الوزراء، الأستاذ نجيب الميقاتى،

معالي السيد سلطان بن سعيد المنصوري، وزير الاقتصاد في دولة الإمارات العربية المتحدة،

سعادة السيد صالح الخرابشة، أمين عام وزارة التخطيط في المملكة الأردنية الهاشمية،

سعادة السيد ديريك بلامبلي، المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان،

أصحاب المعالي الوزراء ورؤساء الوفود المشاركة، السيدات والسادة الحضور الكريم،

أرحب بكم جميعاً، مشاركين وضيوفاً كراماً، في افتتاح الاجتماع الوزاري للدورة السابعة والعشرين للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا). وأخص بالشكر دولة رئيس مجلس الوزراء، السيد نجيب ميقاتى لرعايته أعمال هذه الدورة. وأنتهز هذه المناسبة لأعرب عن بالغ تقديرنا لدعمه الكبير للإسكوا وأنشطتها، وهو دعم أراه نابعاً من إيمان عميق بأهمية النهوض بهذا الوطن العربي الكبير، ومن حرص على مساندة كل عمل مؤسسي يساهم في تحقيق ذلك. وأتقدم من رئيس وفد المملكة الأردنية الهاشمية بجزيل الشكر لرئاسة الدورة السادسة والعشرين، والتي تحققت خلالها إنجازاتٌ نوعية ملموسة. كما أتقدّم من دولة الإمارات العربية المتحدة التي تتولّى رئاسة الدورة السابعة والعشرين بخالص أمنياتي بالتوفيق، وأعرب لها عن ثقتي الكبيرة بأن عمل اللجنة في ظل رئاستها سيشهد مزيداً من التقدم. معالي الوزراء، الحضور الكريم، الفرص والتحديات التي تواجهنا اليوم تختلف كثيراً عن تلك التي تحدثنا عنها في الدورة السادسة والعشرين. عندئذ كان القلق ناجماً عن أزمة مالية عصفت بالأسواق والمؤسسات الغربية، وما لبثت أن تحولت إلى أزمة اقتصادية عالمية خانقة. كنا ننظر شمالا فنرى صروحاً عملاقة تهوي، فتنهار معها سبل العيش للملايين من البشر. بنوكٌ، وأسواقٌ مالية، وشركاتٌ عملاقة عابرة للقارات، تذوب كالملح؛ والعدوى تنتقل من بلد إلى آخر. كانت أنظارنا مشدودة إلى عالم تهتز أركانه الاقتصادية، ويهددنا بتقويض إنجازاتٍ استغرق تحقيقها عقوداً من الزمن. اليوم ينقلب المشهد. باتت منطقتنا هي التي تتصدر عناوين الصحف، وأصبح الآخرون هم من يتخوف من تبعات هذه الأوضاع المستجدّة عليهم. أما نحن، فتشهد بلداننا تحولات وتطورات يدعو جلّها للتفاؤل. ها هي دولٌ تعكف على بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية وتعيد النظر في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية باتجاه المزيد من العدالة وتكافؤ الفرص. ودولٌ أخرى تطلق برامج إصلاحية واعدة تهدف إلى تعزيز المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار. ونرى في مختلف الأقطار، الفقير منها والميسور، مراجعة جادة للنَهج التنموي وكأن إجماعاً قد تبلور على أن أساليب التنمية القديمة لم تعد تلبي احتياجات اليوم. فهي، وإن حققت نمواً رقمياً، لم تحقق تنمية. كما أخفقت في خلق فرص العمل اللائق لجيل جديد من الشباب المبدع، الذي يرفض أيّ قيدٍ يكبله أو يحُد من طموحه. خطواتٌ محمودة تلك التي بدأت تتخذها دولنا لتحقيق تنمية شاملة، عادلة، لا تستثني أحدا. منها ينبع التفاؤل. والتفاؤل هنا لا يعني أننا خرجنا من دائرة الخطر. فالانزلاق إلى العنف في بعض البلدان هو مصدرٌ للكثير من القلق. فالعنف يحرم نفوساً من حقها المقدس في الحياة وفي العيش الآمن. كما أنه يهدر الموارد النفيسة في معارك لا مصلحة لنا فيها، ويضيّع الكثير من الفرص لبناء المستقبل الذي نريد. ولا ننسى هنا الاحتلال الإسرائيلى الغاشم لفلسطين والأراضي العربية الذي يمعن في انتهاك القانون الدولي والأعراف الأخلاقية مشكلاً مصدرَ خطرٍ مزمنٍ ودائم على أمن جميع دول المنطقة دون استثناء، وعلى جهود التنمية فيها. وفي حال الاقتصاد العالمي تحدٍ آخر. فلا تزال آفاق نمو الاقتصاد العالمي، رغم تحسنه، متقلّبة وبعيدة عن الاستقرار. ولم يتوصّل أصحاب الشأن، حتى الآن، إلى حلول جذرية لمعالجة عوامل الخلل الهيكلى التي تسبّبت في الأزمات الاقتصادية العالمية، وأسهمت في اندلاع حركات الاحتجاج الواسعة الرافضة للعولمة وللنموذج الحالي من الرأسمالية المنفلتة. ويتفاقم هذا التحدي في الأمد المتوسط بفعل التغير الهيكلي في قواعد اللعبة الدولية، حيث ترتقي دولٌ جديدة إلى موقع الصدارة، وتتراجع أخرى كانت قد هيمنت على الإنتاج وعلى النظام الاقتصادي العالمي لعقودٍ من الزمن. الحضور الكريم، التغيرات الإقليمية والعالمية تبدو وكأنها موجات تكتونية تحرك طبقات الأرض تحت أقدامنا. وفي هذه الحالة لا مجال للاستكانة، بل علينا الإسراع في الإصلاحات والجهود التنموية لاستباق أثر هذه التغيرات، وتحقيق المنعة لاقتصاداتنا، والرفاه الذي هو حقٌ لشعوبنا. ولتكن البداية بالاعتراف بأن التأثيرات والتحديات الخارجية لا تتمكن منا إلا بقدر ما نعرّض أنفسنا لها. وأن الطريق الأسلم لمواجهة التأثيرات والتحديات يكون بالتصدي لمواطن الضعف الكامنة في البنيان العربي، وبالعمل على تحقيق تنمية إنسانية شاملة، تستند إلى الحق والعدل، وتعلي مكانة المعرفة في اقتصاداتنا ومجتمعاتنا. معالي الوزراء، الحضور الكريم، لقد تشرفت بتولي مهام الأمينة التنفيذية للإسكوا منذ ما يقارب العام ونصف العام. خلال هذه الفترة، كان هاجسي مصلحةُ دولنا ورفاهُ شعوبها. وكان هدفي تطويرُ هذه المؤسسة باستكمال الجهود الكبيرة التي بذلها من سبقني من الأمناء التنفيذيين، لتصبح بيت خبرةٍ متميزاً يتفاعل مع حكومات دولنا ومؤسساتها المدنية وجميع قطاعاتها الحيوية، ويرفدها بالمعارف والمهارات التي تعاونها في تحقيق أهدافها التنموية. وكانت المهمة الأولى على هذا الدرب تحديث أساليب عمل أمانة الإسكوا وتطوير أدواتها في التعامل مع الدول الأعضاء، وفق مرتكزات خمسة: أولها، التعامل مع قضايا التنمية بنهج متكامل غير مجزأ، والاستفادة من المزايا التي تنفرد بها الإسكوا، المنظمة التي تضمّ طيفاً واسعاً من الخبرات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، تحت سقف واحد. ثانيها، تحديث أساليب القياس بحيث تتقصى أثر الأنشطة التي تقوم بها في تحقيق الأهداف التنموية الكلية. وقد باشرنا في اعتماد سياسة جديدة لتقييم الأداء تعزز الابتكار، وترتكز على المساءلة، وتمكن من التكيّف مع المستجدات. ونُقدّر أن هذه السياسة تمثل نقلة نوعية في منهج القياس ليس في الإسكوا فحسب، بل على صعيد منظومة الأمم المتحدة كلها. ثالث هذه المرتكزات كان تطوير الهيكل الإداري ليكون قادراً على الاستجابة السريعة للتغيرات غير المتوقعة، ومواكبة التطورات الدولية والإقليمية المتسارعة. رابعها، كان التركيز على جودة المطبوعات وليس على عددها. فما تتوقعونه منا هو نُهُجٌ فكرية جديدة وخلاقة، لا تكراراً ولا إعادة تغليف لما هو متوفر من مصادر أخرى. وآمل أن تكونوا قد بدأتم تلمسون بالفعل هذا التغيير في إصداراتنا الأخيرة. وآخر هذه المرتكزات، توسيع عضوية اللجنة لتتواءم مع تركيبة المؤسسات الإقليمية القائمة. فاللجنة هي حلقة وصل حيوية بين الإقليمي والدولي، تُعاوِن الدول على الاستجابة للعهود والاتفاقيات الدولية، وتحمل وجهة نظر المنطقة وبلدانها إلى المحافل العالمية. والقيام بهذا الدور بكفاءة وفاعلية يتطلب تنسيقاً متواصلاً مع جامعة الدول العربية ومختلف المنظمات التابعة لها، وتكييفاً هيكلياً للإسكوا لتنسجم عضويتها مع الترتيبات الإقليمية السائدة. كما أن توسيع عضوية الإسكوا سيعود بالنفع الكبير على أعضائها الحاليين كما الجدد. فهي ليست منظمة تمويلية يؤدي توسيعها إلى الانتقاص من نصيب أي من أعضائها. بل هي منظمة معرفية، والمعرفة هي السلعة الوحيدة التي تؤدي الزيادة في استهلاكها إلى زيادة الكم المتوفر منها، لا نقصانه. ويسعدني كثيراً اهتمام البلدان العربية الأخرى بالانضمام إلى الإسكوا. فقد وردتنا خلال هذه الدورة طلبات من ثلاث دول عربية، هي تونس وليبيا والمغرب، نأمل أن ينضموا إلى صفوفنا قريباً. وختاماً، أتطلع للعمل معكم ومع زميلاتي وزملائي في الإسكوا لبناء منظمةٍ للمستقبل، منظمةٍ قادرة على مواكبة تطلعات الدول الأعضاء وشعوبها، منظمةٍ قادرة على الإفادة من الفرص والتصدي للتحديات، منظمةٍ قادرة على استشراف المستقبل وابتكار الحلول، تتحرك بمرونة استجابة للاحتياجات المستجدة. ما نتطلع إليه هو منظمةٌ جديرة بثقتكم، بكل ثقتكم. والله ولي التوفيق

الأمين التنفيذي: