تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاسكوا في مؤتـمر الـعمل الـعربي الـخامس والـثلاثين/الدفع يقترح إنشاء صندوق لمواجهة قضايا الشباب العربي

24
شباط/فبراير
2008
بيروت-شرم الشيخ

بيروت-شرم الشيخ، 24 فبراير/شباط 2008 (الدائرة الإعلامية في الاسكوا)-- اقترح اليوم السفير بدر عمر الدفع، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة والأمين التنفيذي لـ "الاسكوا"، إنشاء صندوق لمواجهة قضايا الشباب العربي، لا سيما قضية البطالة، يبدأ بتنفيذ عدد من المبادرات التجريبية في مراحله الأولى، على أن يتم تطوير هذه المبادرات وتنقيحها بما يتواءم والاحتياجات الخاصة لكل من دول المنطقة. كما اقترح إنشاء مرصد تكون مهمته رصد السياسات المتعلقة بالشباب، لا سيما ما يتصل منها بقضية البطالة، وتسجيل التجارب الدولية الناجحة وتكييفها لتناسب الظروف العربية، ودعم المؤسسات التي نجحت سياساتها في مواجهة مشاكل الشباب.

كلام الدفع جاء في الجلسة العامة لليوم الثاني من أعمال الدورة الخامسة والثلاثين لمؤتمر العمل العربي الذي ينعقد في شرم الشيخ (جمهورية مصر العربية) من 23 شباط/فبراير إلى 1 آذار/مارس 2008. وفي ما يلي كلمة السفير الدفع في نصها كاملاً:

"أصحاب المعالي والسعادة،
سعادة السفير أحمد لقمان، رئيس منظمة العمل العربية
السيدات والسادة،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يسرني أن أشارككم في أعمال الدورة الخامسة والثلاثين لمؤتمر العمل العربي، بدعوة كريمة من الأخ السفير أحمد لقمان، الذي أتمنى له التوفيق والسداد في الإضطلاع بمهام منصبه الجديد مديراً عاماً لمنظمة العمل العربية. وأنني أتطلع إلى توثيق الشراكة القائمة بين الإسكوا ومنظمة العمل العربية لخدمة المنطقة ودولها، لا سيما فيما يتعلق بالبعد الاجتماعي في الاستراتيجيات والخطط الإنمائية التي نسعى إلى تنفيذها.

وإنني أهنئ المدير العام على اختيار التشغيل والبطالة في البلدان العربية موضوعاً لتقريره السنوي لمؤتمركم، حيث يحتل هذا الموضوع، لا سيما مسألة البطالة بين الشباب، أهمية فائقة في مستقبل دول المنطقة، وقدرتها على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.

شهدت السنوات الماضية، منذ بدء الارتفاع في أسعار البترول في عام 2003 طفرات هائلة في أداء الاقتصاديات العربية، بما في ذلك الدول العربية ذات الاقتصاد المتنوع، وبلغت نسب النمو الاقتصادي مستويات مرتفعة، مع تحقيق فوائض مالية غير مسبوقة في ضخامتها. وتحسن الأداء الاقتصادي للدول العربية مع الاتجاه نحو تحقيق إصلاحات هيكلية في كثير من البلدان العربية تعتمد على تحرير التجارة الخارجية، واستقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر، والانضمام إلى منظمة التجارة العالمية اتساقاً مع اتجاه الدول العربية للتعامل الإيجابي مع العولمة.

أود أن أطرح النظر في أهمية البعد الاجتماعي في الاستراتيجيات والخطط التنموية التي نسعى إلى تنفيذها. فإن التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي لا يعدان غاية في حد ذاتهما، بل ان التنمية الاقتصادية تظل هي الوسيلة لتحقيق التنمية الاجتماعية المتكاملة التي تنعكس إيجاباً على الفرد العادي، من حيث القضاء على الفقر، وتوفير الرعاية الصحية والنفسية، وتلبية احتياجات الفرد الضرورية من المأكل والملبس والمسكن والبيئة النظيفة وتمكينه من العيش في مجتمع إنساني يتيح للفرد تحقيق آماله وتطلعاته.

السيدات والسادة،
لقد توافق المجتمع الدولي في قمة الألفية التي عقدت في عام 2000 في نيويورك على تحقيق ما أطلق عليه أهداف الألفية الإنمائية، التي تحدد الحد الأدنى من مؤشرات الإنجاز في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول النامية، والتي تتضمن ثمانية أهداف هي: القضاء على الفقر المدقع والجوع؛ وضمان التعليم الابتدائي للأطفال من الجنسين؛ وتمكين المرأة؛ وتقليص وفيات الأطفال؛ وتحسين الصحة النفاسية؛ ومكافحة الإيدز والملاريا؛ وضمان بيئة مستدامة للأجيال القادمة؛ وتطوير التعاون الدولي من أجل تحقيق التنمية.

ويشير التقرير السنوي الذي أعدته "الإسكوا" وجامعة الدول العربية والمنظمات الدولية العاملة في المنطقة حول التقدم المحرز في تنفيذ الدول العربية لالتزاماتها لعام 2007 في هذا الشأن، إلى أن الدول العربية ستحقق – بشكل عام- الأهداف الإنمائية، باستثناء فلسطين والعراق والدول الأقل نمواً. كما يشير التقرير إلى أن الدول العربية حققت بالفعل طفرات هائلة – وإن كانت غير كافية – في مجال التعليم وتكافؤ الفرص بين الصبيان والبنات، وتمكين المرأة من النهوض بدورها كشريك في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

كما أكد التقرير، الذي صدر بعنوان "تحقيق الأهداف الألفية الإنمائية: منظور الشباب"، أن الدول العربية معنية أكثر من غيرها من الدول بقضايا الشباب، حيث تفرض الحقائق الديمغرافية في الدول العربية، والواقع الإنمائي الذي تعيشه حقيقةَ أن المرحلة الراهنة ربما تكون المرحلة المفصلية لتحقيق الدول العربية تنميةً اقتصاديةً واجتماعيةً شاملة، تعالج المشاكل التي نعرفها جميعاً، وتؤسس لمستقبل واعد تبنيه سواعد الشباب العربية.

لقد وصلت نسبة الشباب (وهم الفئة العمرية من 15-24 عاماً) إلى 21% من إجمالي تعداد الدول العربية في العام 2005 أي نحو 66 مليون شخصٍ، ومن المتوقع أن يصل عددهم إلى نحو 78 مليون شخصٍ في العام 2020. ورغم تحسن مستويات التعليم في العقود الماضية، لا تزال نسبة البطالة بين الشباب مرتفعة حيث تصل إلى نحو 53% من إجمالي الباحثين عن العمل، وهو ما تتعدد مسبباته، وتتفاقم آثاره النفسية على الشباب كأفراد وعلى المجتمعات التي يعيشون فيها على نحو ما تلمسون جميعاً من ظواهر كالهجرة، والتطرف، وانتشار المخدرات، والجريمة وغيرها.

ويتواكب مع زيادة نسبة الشباب من إجمالي السكان في الدول العربية ظاهرة أخرى جديرة بالاهتمام، وهي الانخفاض الحاد في الخصوبة ووفيات الأطفال، مما سيؤدي إلى زيادة في عدد من هم في سن العمل من السكان كنسبة من مجموع السكان، فإما أن تفتح نافذة أمل للدول العربية للاستفادة من شبابها لتحقيق النمو الاقتصادي، وزيادة المردود الاستثماري والتشغيل الكامل لطاقات الدول العربية، أو تتفاقم مشكلة بطالة الشباب وتؤدي إلى تداعيات جسام وتحديات تصعب مواجهتها.

السيدات والسادة،
تشير التقديرات إلى أن نافذة الأمل السكانية، التي ظهرت عام 1995 ستستمر حتى العام 2045 على أقصى تقدير. ويتطلب استثمار هذه الفرصة اعتماد عدد من السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تستهدف الشباب وتلبي احتياجاتهم ومتطلباتهم لضمان تمتعهم بالرعاية الصحية والبدنية والنفسية، وبالتعليم والتدريب والتأهيل اللازم لتلبية احتياجات سوق العمل وفق معطيات العولمة والتطور التكنولوجي المتسارع.

ومن المقترح أن تشمل السياسات اللازمة لتحقيق هدف الحد من بطالة الشباب ما يلي:
1- توفير البيئة المؤاتية لزيادة الإنتاجية والتنافسية الاقتصادية وتطوير مجتمع الإنتاج القادر على تحقيق زيادة واضحة في العمالة.
2- تشجيع القطاع الخاص من خلال المحفزات المالية والضرائبية والدعم المباشر بتحمل نفقات التدريب والتطوير والمؤاءمة.
3- اعتماد سياسات وإجراءات تشغيلية لتنظيم سوق العمل، تقوم بدور الوسيط بين العرض والطلب على العمالة، وتقدم خدمات المعلومات لطالبي التوظيف في مجالاتهم ومواقعهم، وتدخل دور التعليم العالي وبآلية خاصة لاستيعاب المتخرجين.
4- توفير مراكز التأهيل والتدريب اللازمة لدعم جهود الشباب للتأقلم على الظروف المتغيرة لأسواق العمل، وتوجيههم نحو المجالات التي يتعاظم فيها الطلب على العمالة وذلك بالتنسيق الوثيق مع مؤسسات القطاع الخاص والقطاع العام.
5- ربط مؤسسات التعليم مباشرة بأصحاب العمل لوضع أطر التنسيق المشترك وبناء المؤسسات لتسهيل أيجاد فرص عمل للمتخرجين.
6- زيادة الاستثمارات في تكوين رأس المال البشري كأساس للتنمية الاقتصادية، من خلال لامركزية التعليم، واستقطاب القطاع الخاص والمجتمع المدني للمشاركة في تشكيل برامج التدريب والتأهيل وضمان الجودة.

السيدات والسادة،
إن الإسكوا هي الذراع الإقليمي للأمم المتحدة في المنطقة، وهي تقوم على دعم خطط وسياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدول المنطقة منذ تأسيسها في العام 1974. إنني أؤمن بأن دور منظمة الأمم المتحدة، والإسكوا التي تمثلها في المنطقة، لا يكمن في تحديد المشكلة أو القضية ذات الأولوية فحسب، وإنما في إيجاد آلية أو إستراتيجية مناسبة للتعامل معها ومواجهتها، ووضع الخطط العملية لتحسين كفاءة النظام التعليمي والتجريبي والتدريبي، وربط مخرجات النظام التعليمي بحاجات سوق العمل، وبناء البنية التحتية الكفيلة برفع الكفاءة الإنتاجية للعمال وتسهيل انتقالهم إلى الوظائف المناسبة لكفاءاتهم.

إنني أضع الإسكوا، وهي تضم بعضاً من خيرة من أنجبتهم الدول العربية، تحت تصرفكم للاستفادة مما تتيحه إمكانيات الدعم الدولي للعمل العربي المشترك، لا سيما في ما يتعلق بقضية الشباب واستثمار نافذة الأمل السكانية. وأقترح النظر في الآليات التالية في هذا الصدد:

1- إنشاء صندوق لمواجهة قضايا الشباب العربي، لا سيما قضية البطالة، يبدأ بتنفيذ عدد من المبادرات التجريبية في مراحله الأولى، على أن يتم تطوير هذه المبادرات وتنقيحها بما يتواءم والاحتياجات الخاصة لكل من دول المنطقة.
2- إنشاء مرصد تكون مهمته رصد السياسات المتعلقة بالشباب، لا سيما ما يتصل منها بقضية البطالة، وتسجيل التجارب الدولية الناجحة وتكييفها لتناسب الظروف العربية، ودعم المؤسسات التي نجحت سياساتها في مواجهة مشاكل الشباب.
3- إنشاء قاعدة بيانات للتشغيل والبطالة من خلال التركيز على الشباب في الدول العربية. وتهدف قاعدة البيانات إلى إنشاء وتطوير عدد من المؤشرات لمتابعة نسب البطالة، وتركيبتها من حيث صلتها بالنوع الاجتماعي، والفئة العمرية، والتواجد الجغرافي، ومستوى التعليم وغيرها.
4- بناء نظام مستقبلي قادر على رسم صور مستقبل سوق العمل والكفاءات المطلوبة والاختصاصات غير المتوفرة لتوجيه الطلاب والمتخرجين نحوها.
5- استخدام تكنولوجيا المعلومات وآلياتها لرصد الاحتياجات المستحدثة والمستجدة وتوفيرها في مناطق متعددة لتكون بمتناول الجميع لتقصي فرص العمل وتطورات سوق العمل.
6- تحفيز البحث العلمي في مجالات رفع الكفاءة الإنتاجية واحتياجات سوق العمل المستقبلية والتطورات التقنية.

شاكراً لكم حسن إصغائكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته."