كلمة معالي الدكتورة ريما خلف
وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا
دولة رئيس مجلس الوزراء، الأستاذ نجيب ميقاتي،
سعادة الأمين العام للأمم المتحدة، السيد بان كي مون،
أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
الحضور الكريم،
أرحب بكم أطيبَ ترحيب باسم زميلاتي وزملائي الأمناءِ التنفيذيين للجان الإقليمية للأمم المتحدة.
وأتقدّم من دولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ نجيب ميقاتي، بجزيلِ الشكر وعظيم الامتنان لرعايته الكريمة لهذا المؤتمر.
كما أعرب عن بالغ تقديري لمعالي الأمين العام للأمم المتحدة، السيد بان كي مون، لدعمه فكرة هذا اللقاء منذ البداية، ولحضوره شخصياً هذا الافتتاح وإلقاء الكلمة الرئيسية فيه.
يسعدنا أن يُعقدَ لقاؤنا هذا في بيروت، العاصمةِ العربية العريقة، حاضنة العلم والثقافة، والفسحة المنفتحة على كلّ أمل وكل جديد.
الحضور الكريم،
ربيعٌ، صحوةٌ، نهضة، ثورة. كلّ هذه مفردات استخدمت لوصفِ الحراك الشعبي الذي بدأ في سيدي بوزيد في تونس قبل عام. ومنذ ذلك الحين ما فتئ الملايين من العرب، شباباً وكهولاً، نساءً ورجالاً، يهتفون في الشوارع "الشعب يريد". عبارة تردّد صداها في أوسع حركاتِ الاحتجاج الشعبي في العالم منذ مطلع الألفية الثالثة.
وهذه العبارة بما تختزُنه من مطالب ومشاعر، تعلن انقضاء مرحلة وبدءَ مرحلة أخرى. أمّا المرحلة المنقضية فهي مرحلة الأفواه المكممة والوعود البالية، والآمال المحطمة على صخرة التسلط والفساد. مرحلةٌ استبيحت فيها المنطقة، من كل طامعٍ ذي مصلحة، فكثرت فيها النزاعات والحروب والاحتلالات، وأطولها الاحتلالُ الإسرائيلي الذي يستمر بلا رادعٍ منتهكاً الحق والقانون.
وبفعل هذا المزيج من العوامل الداخلية والخارجية، كُبّلت الطاقات في المنطقة. وأُهدرت فرص الإفادة من الموارد الكامنة فيها لتحرير شعوبها من الخوف والعوز. فتراجعت مؤشرات التنمية الحقيقية وارتفعت مؤشرات الفساد والقمع واللجوء والتشرد.
أما المرحلة الآتية فتعد بأن تكون مرحلةَ نهضةٍ تمنّاها الشاعر إيليا أبو ماضي منذ قرن من الزمن:
نهضةً تكشفُ المذلة عنا فلقد طال نومُنا في الشقاء
نهضةً تلفِتُ العيون إلينا إن خوف البلاء شرُّ البلاء
نهضةً يحمل الأثيرُ صداها للبرايا في أول الأنباء
وما أقربَ الأمسِ إلى اليوم.
الحضور الكريم،
تختلف الآراءُ في النظرة إلى المرحلة الجديدة. فمن المراقبين من ينظر إليها بأمل كبير، ومنهم من يترقب بتشاؤم. وإن كنتُ لا أشاركهم تشاؤمهم، فقد لا ألومُهم عليه. فهم ينظرون حولهم، ويرون تصاعداً في العنف في بعض البلدان، وملامح فتن طائفية وفئوية تقوّض بعضاً من الأمل. ينظرون إلى الاقتصاد فيرون تدهوراً، لا تحسناً، ويلمسون بطالةً وفقراً وضيق حال.
لكنهم في تشاؤمهم إنما يجزعون من عدم اليقين. فالانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية أمر ليس بيسير. فهو يتطلب إصلاحاً شاملاً لهياكل الدولة، ويقتضي بلورة عقد اجتماعي جديد، وتأسيسَ بناء اقتصادي متطور يضمن الرفاه والتقدم، ويقوم على الحق والعدالة، ويقضي على التهميش والاستبعاد.
وتعظُم الصعوبات حيث خلف الاستبدادُ دماراً أو انشقاقات مجتمعية أرهقت أواصر التلاحم والتعاضد بين أبناءِ الوطن الواحد. عندئذٍ، تكون معالجة ذيول الماضي وبناء التوافق الوطني من أهم مهام المرحلة الانتقالية لمنع الانزلاق إلى نزاع داخلي أو العودة مجدداً إلى التسلّط. وتصطدم هذه المهام في أكثرِ من بلد بمصالح قوى إقليمية وعالمية يصعُب عليها أن تتخلّى عن نفوذ، عاشت منه واعتاشت عليه طيلة عقود من الزمن.
جميع هذه التحدياتِ والخياراتِ المتاحة لمواجهتها ستكون محورَ مناقشاتنا في هذا الاجتماع. ونحنُ نأمَلُ أن يكون هذا اللقاء فُسحةً للتفاعل بين قادة من المنطقة، ونظراءَ لهم قادوا بنجاح عمليات التحول الديمقراطي في آسيا وأوروبا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
الحضور الكريم،
رغم اختلاطِ المشاهد، وارتباكِ المسارات، وكَثرة العقبات، يبقى المقصدُ النهائي واحداً: أوطانٌ حرة، وحكمٌ ديمقراطي عادل ينبثق من إرادة الشعب. حكمٌ لا يهمش أحداً، يحترم حقوق الإنسان، يتساوى في دساتيره المواطنون جميعاً، لا يميّز بينهم جنسٌ أو عرقٌ أو دين.
قد يبدو هذا المستقبلُ بعيداً. ولكن شعوب هذه المنطقة ليست أقلَّ جدارة ولا أقلّ قدرة ولا أقل استحقاقاً من سائر شعوب العالم للحرية والكرامة والعدالة.
يقيني أننا لن نفشلَ حيث نجح الآخرون.
شكراً لكم.