تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

الاجتماع الرابع عشر لآلية التنسيق الإقليمي

11 تشرين الثاني/نوفمبر 2010
بيت الأمم المتحدة، بيروت

كلمة معالي الدكتورة ريما خلف

وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا

دولة السيد سعد الحريري، رئيس مجلس الوزراء في لبنان،
سعادة السيدة آشا روز ميجيرو، نائب الأمين العام للأمم المتحدة،
سعادة الدكتورة سيما باحوث، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية،
سعادة السفراء،
الزملاء والأصدقاء من مختلف منظمات الأمم المتحدة،
الضيوف الكرام،

أحيّيكم في بداية هذا الاجتماع وأرحب بكم في بيت الأمم المتحدة في بيروت.
 
معالي السيد رئيس مجلس الوزراء أشكر حضوركم معنا اليوم على الرغم من مشاغلكم الكثيرة.  فحضوركم إنما هو دليل على دعمكم للإسكوا وآلية التنسيق الإقليمي، وأيضاً تعبير واضح عن التزامكم الثابت بقضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية وبقضية الإنسان فيها.  
 
 وفي حضور السيدة آشا روز ميجيرو، نائب الأمين العام، على رأس هذا الاجتماع دليل على الأهمية البالغة لآلية التنسيق الإقليمي ودورها في دعم رؤية الأمانة العامة والجمعية العامة للأمم المتحدة.  فباسمي وباسم جميع الزملاء أكرر ترحيبي بالسيدة ميجيرو وأقدّر دورها في قيادة جهودنا في اليومين المقبلين.
 
وأخص بالترحيب أيضاً شركاءنا من المنطقة.  فإلى جانب جامعة الدول العربية التي وقّعنا معها خطة عمل مشتركة، يحضر معنا اليوم، ولأوّل مرة، البنك الإسلامي للتنمية، والمجلس الاستشاري للإسكوا المنشأ حديثاً من هيئات المجتمع المدني.  وسنواصل عملنا مع هذه المنظمات الإقليمية، التي يجمعنا وإياها ارتباط راسخ بهذه المنطقة، وحرص على رفاه الإنسان فيها، وإيمان بما تختزنه من إمكانات وطاقات.
 
وأودّ أن أنوّه أيضاً بحضور البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في آلية التنسيق الإقليمي.  فالمنظمتان حاضرتان معنا اليوم، ويستحقان منا كل امتنان وتقدير على ما أبدياه من تعاون في وضع برنامج عمل الآلية لهذه السنة.
 
 وأخيراً، لا يسعني إلا أن أرحّب بزملائي من الأمم المتحدة.  فنحن نلتقي على قيم ومثل مشتركة، ونؤمن بحق كل إنسان في أن يعيش حياة منتجة، حياة لائقة وكريمة، في مأمن عن الخوف والجوع.  فالمنظمات الاثنتان والعشرون الممثلة في هذا الاجتماع، تسعى جميعها إلى تعزيز حقوق الإنسان، ومكافحة الفقر والحرمان، وتلتقي على التزام  ثابت بتحقيق التنمية الشاملة والعادلة في هذه المنطقة. 
 

إن مشاركتكم جميعاً في هذا الاجتماع هي تعبير عن إرادة ثابتة في مواصلة العمل الدؤوب في دعم بلداننا، وتعبير عن إيماننا بإمكانات التعاون التي تنبثق من روح "العمل معاً ضمن المنظمة الواحدة".
 
الزملاء الأعزاء،

لقد أحرزت بلداننا تقدماً كبيراً في بعض المجالات، لكنّ مسيرتها لم تخلُ من العثرات.  فبلداننا حققت إنجازات كبيرة في مختلف مؤشرات التنمية، ولا سيما في تعميم التعليم بين الشباب، وخصوصاً الفتيات، وفي تخفيض معدّل وفيات الأطفال ومكافحة الأمراض.  لقد حققت تسعة بلدان عربية المساواة بين الجنسين في التعليم الابتدائي.  وبين عامي 1999 و2007، انخفض عدد غير الملتحقين بالمدارس بنسبة 28 في المائة.  وتجاوزت بعض البلدان العربية متوسط البلدان النامية في التقدّم باتجاه تحقيق بعض الأهداف الإنمائية للألفية، ولا سيما في تحصين الأطفال والحصول على المياه المأمونة وخدمات الصرف الصحي المحسّنة.  هذه بعض من الإنجازات الهامة التي حققتها المنطقة.
 
ولكن هذه الإنجازات لم تعمّ جميع البلدان ولا يزال الطريق طويلاً.  فمع التقدّم الذي أحرز في مجال التعليم، لا تزال بعض البلدان، مثل اليمن والأرض الفلسطينية المحتلّة والسودان، في حال ركود في قطاع التعليم.  وعلى الرغم من الانخفاض في معدّل وفيات الأطفال، لا يزال طفل واحد من أصل عشرة أطفال في أقل البلدان نمواً يموت قبل أن يبلغ سن الخامسة.  وفي وقت لا تزال البطالة تحدياً كبيراً في معظم البلدان العربية، شهدت أقل البلدان نمواً ارتفاعاً كبيراً في معدّل البطالة، إذ ازدادت نسبة العاطلين عن العمل من 14 في المائة في عام 1999 إلى 19 في المائة في العقد الأول من الألفية الثالثة. 
 
وما تواجهه المنطقة من عثرات لا يقتصر على المشاكل الاقتصادية، بل يتجاوزها إلى الإجحاف الاجتماعي، والتهميش والتدخل الأجنبي، وجميعها عوامل أدت ببعض مجتمعاتنا إلى حالة من عدم الاستقرار والمعاناة.  فالحروب الأهلية والأزمات الطائفية والفئوية كادت تكون جزءاً من واقع المنطقة لفترة طويلة، والاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية لم يشهد مثيلاً له في العالم في عصر ما بعد الانتداب.  وهو لا يزال يحرم الفلسطينيين من حقهم في الحرية، والأمن البشري، وسائر حقوقهم غير القابلة للتصرف التي يكرسها القانون الدولي.
 
ونتيجة للاحتلال الأجنبي وحالة عدم الاستقرار التي تعيشها المنطقة، تبلغ حصة المنطقة من اللاجئين 47 في المائة من مجموع اللاجئين في العالم.  هذا ما عدا عدد النازحين داخلياً الذي يناهز العشرة ملايين. وجميعهم يعانون أشد ظروف الحياة قسوة، إذ يخسرون منازلهم، ويُقتلعون من جذورهم، ويحرمون من موارد رزقهم، ويخسرون حقهم في الحياة أحياناً. 
 
ولا شكّ في أن التحديات الكثيرة والمتعدّدة التي تواجهها منطقتنا تؤثر على طريقة عملنا.  فلكي يحقق عملنا الفعالية المرجوة، لا بدّ من تجنّب تعميم السياسات الجاهزة، والبحث عن طرق عمل مبتكرة تزوّد هذا العمل بالقدرة على مواكبة الواقع ومتطلّباته.  علينا أن نوحد مواردنا ونعمل معاً بالفعالية المطلوبة لنأتي بحلول جديدة تلبي الحاجات الحقيقية والأساسية للمنطقة التي نعمل في خدمتها.  من هنا تستمدّ آلية التنسيق الإقليمي البعد المطلوب لها.  وسنعمل مع الزملاء في الأمم المتحدة على تعزيز فعالية هذه الآلية، بحيث تكون المنتدى الحيوي لمناقشة السياسة العامة اللازمة لمعالجة الأولويات الرئيسية للمنطقة وأسرة الأمم المتحدة.
وحتى نتمكن من تعزيز آلية التنسيق الإقليمي، لا بدّ من الاعتراف أولاً بأننا لم نتوصّل بعد إلى الطريقة المثلى لعمل هذه الآلية.  فلا يزال من الضروري تأمين المتابعة الموضوعية والمنتظمة بين اجتماعات الآلية دعماً لعمل المجموعات المختصّة التي تكوّنها.  ومن الضروري تزويد أعضاء الآلية بتوجّه واضح بشأن أولويات السياسة العالمية والمساعدة على تناول هذه الأولويات من حيث خصوصية ظروف المنطقة.  علينا أن نبحث الإمكانات المتاحة لتحويل مناقشاتنا إلى رسالة مشتركة لعملنا مع البلدان الأعضاء.
 
بمساعدتكم سنتمكن من تحقيق التغيير المنشود.  وأنا أتطلّع إلى الاستماع إلى آرائكم حول المجالات التي تحتاج إلى تحسين، ونعتمد عليكم شركاء لنا في تحقيق ما نسعى إليه.
 
علينا أن نغيّر في طريقة عملنا لنضمن لدورنا فرادته وحيويته في المنطقة في الدعم والأهمية والتأثير.  النظرة إلينا أحياناً، هي نظرة إلى منظمات تنافس بعضها بعضاً، تحمل رسالة واحدة بمعانٍ مختلفة.  غير أن المنافسة بين منظماتنا تكون دليل عافية، إذا أردنا التميّز عن الآخرين في خدمة هذه المنطقة.  وهذه المنافسة يمكن أن تكون مفيدة عندما تأتي ثمرة التنسيق التام فيما بيننا.  وهكذا فقط نستطيع أن ننهض بما ألقي على عاتقنا من مهام، لدفع رسالتنا الاستراتيجية وتزويدها بالزخم والفعالية المطلوبة.
 
إضافة إلى آلية التنسيق الإقليمي، لدور مجموعة الأمم المتحدة الإنمائية في توجيه المنسقين المقيمين وفرق الأمم المتحدة القطرية أهمية بالغة في تنفيذ الأولويات العالمية والإقليمية على المستوى الوطني.  ومن الضروري تعزيز فعالية عمل الأمم المتحدة عل الصعيد الوطني.  ولن نألو جهداً في تخصيص الموارد للمساهمة في فريق دعم مجموعة الأمم المتحدة الإنمائية وأي مبادرة للمديرين الإقليميين.
 
إن القضايا التي تواجهها المنطقة كثيرة، وبينما نتحدث في الكثير من الأحيان عما يصنع فرادتنا، فلنا نصيبنا، أيضاً، بما تواجهه الإنسانية جمعاء من تحديات اقتصادية واجتماعية على الصعيد العالمي. فمن الضروري أن يكون لهموم منطقتنا وشواغلها مكان في برنامج السياسة العالمية.
 
ومن الأولويات أيضاً تعزيز الروابط بين آلية التنسيق الإقليمي واللجنة الرفيعة المستوى للبرامج، التي تعمل تحت الإشراف المباشر للأمين العام.  وفي هذا السياق أتطلّع إلى مداخلة نائب رئيس اللجنة الرفيعة المستوى للبرامج من واشنطن بعد الظهر حول السبل الآيلة إلى تعزيز الحوار البنّاء لمصلحة شعوبنا. 
 
من الواضح أن لنا في هذه المنطقة ميزة نسبية للنهوض بالقضايا الإنمائية مع شركاء لنا في الرؤية والعمل الإنمائي.  فلم يعد في وسعنا حصر هذا العمل داخل الأمم المتحدة.
 
وإضافة إلى عملنا مع البلدان الأعضاء من الضروري أن نقيم علاقات عمل مع المجتمع المدني والقطاع الخاص إذا أردنا لرؤيتنا الإنمائية أن تتوسّع لتشمل أطرافاً أخرى فاعلة في المجتمع غير الحكومات.
 
وأخيراً يسرني أن يكون الشباب ومكافحة الفقر هو الموضوع الذي اختير لهذا الاجتماع. فواجبنا أن نعدّ شبابنا لعيش حياة لائقة وكريمة، ونهيئ بيئة تتيح لهم الفرص القيّمة والكافية.  فنحن من نقرر إذا كانت الزيادة في أعداد الشباب نقمة على المنطقة أو نعمة لها.  وفي اليومين المقبلين علينا أن نعمل بتوجه استراتيجي للإسراع في معالجة قضايا الشباب في المنطقة.  علينا أن نستفيد من هذا الاجتماع للتداول بالأدوات العملية التي نستطيع تطويرها ووضعها في متناول الحكومات لمساعدتها على خلق الفرص المؤاتية لهذه الفئة الديمغرافية الفريدة والمعرضة للمخاطر.
 
إنّني أدعوكم إلى الخروج من هذا الاجتماع برؤية واضحة، نعلنها ونؤيدها جميعاً، تكون ثمرة مناقشات عملية، تتناول أولويات السياسة العامة للمنطقة، وتتجه وجهة الحلول.

هذا ما تتطلّع إليه بلداننا وهذا أقل ما تستحقه شعوبها. 

وشكراً لكم.