Skip to main content

International Day for Solidarity with the Palestinian People

26 November 2012



كلمة الأمينة التنفيذية للإسكوا الدكتورة ريما خلف لمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني

معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية، الدكتور نبيل العربي،
أصحاب المعالي والسعادة الوزراء والنواب والسفراء،
السيدات والسادة،
الحضور الكريم،

يسعدنا في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا أن نحيي هذا اليوم للتضامن مع الشعب الفلسطيني بالتعاون مع جامعة الدول العربية، بينكم ومعكم. فلكم كل الشكر لحضوركم، وللجامعة وأمينها العام بالغُ التقدير لاستضافة هذا الحدث، وتوفير كل الأسباب لنجاحه .
السيدات والسادة،
في عام 1977، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتبار التاسع والعشرين من نوفمبر من كل عام يوماً عالمياً للتضامن مع الشعب الفلسطيني.
وهذا القرار جاء تعبيراً عن شعور عالمي برفض الظلم الذي يقع على الشعب الفلسطيني كل يوم منذ صدور قرار تقسيم فلسطين، في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 1947. وفي هذا القرار أيضاً تعبيرٌ عن التزام المجتمع الدولي عامة، والأمم المتحدة خاصة، بدعم الشعب الفلسطيني في نضاله لنيل حقوقه غير القابلة للتصرف، ومنها حقه في تقرير مصيره، وحقُهُ في العودة إلى دياره وحقه في الاستقلال والسيادة الوطنية في وطنه فلسطين.
فمنذ اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه في عام 1948، وإخضاعه لاحقاً لأشرس الاحتلالات وآخرها في العصر الحديث، تعمل الأمم المتحدة بمختلف هيئاتها ومنظماتها الإنمائية والإنسانية في مخيمات اللجوء وفي فلسطين، لتخفيف وطأة التشرد، وتعزيز القدرة على الصمود حتى إنهاء الاحتلال.
وهي في ذلك تعمل انطلاقاً من التزام أخلاقي وواجب مهني، راسخ في هوية المنظمة الدولية وهيئاتها وموظفيها، ووفقاً لميثاقها الذي يملي عليها العمل من أجل السلام والعدالة وحقوق الإنسان للجميع، دون استثناء.
السيدات والسادة،
يأتي يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني هذا العام في ظروف تاريخية فريدة، نرى بعض تجلياتها في هذا الحفل. فللمرة الأولى تحيي الإسكوا يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني في كنف جامعة الدول العربية وفي قلب القاهرة الذي بات ينبض بدماء جديدة أعادت لمصر حيويتها ومركزها القائد، ودورها الرائد في عالمها العربي.

كما يأتي اجتماعنا بعد أسبوع من نهاية عدوان إسرائيلي جديد على الشعب الفلسطيني الصامد في غزة الباسلة، عدوانٌ أدى إلى مقتل مائة وثمانية وخمسين فلسطينياً (158)، منهم ثلاثة وثلاثون طفلاً (33)، وجرح ألف ومائتين وسبعين (1270) أغلبهم من المدنيين. وفي ثمانية أيام، دمرت إسرائيل أكثر من (مائتين وثمانية وتسعين) منزلاً (298) بشكل كامل و سبعاً وأربعين مدرسة (47) وثلاث روضات للأطفال بشكل كلي أو جزئي، إضافةً إلى العديد من المنشآت الصحية والبنى التحتية. وقد لحقت أضرار هذا العدوان، حسب ما أورده مكتب تنسيق شؤون المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة، بمليون وستمائة ألف فلسطيني، أي جل سكان القطاع.
وليس هذا العدوان إلا حلقةً من مسلسل انتهاكات إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني والشرعية الدولية.
فاستهتار إسرائيل بالقانون الدولي بدأ منذ تأسيسها، عندما استحوذت بالقوة على أكثر من نصف مساحة الأراضي التي خصصها قرار التقسيم للدولة العربية. ولم تتوقف اعتداءات إسرائيل منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا تنفيذاً لمشروعها التوسعي. في عام 1967، احتلت إسرائيل شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان السورية وما تبقى من فلسطين، في خرق سافر لميثاق الأمم المتحدة الذي يحرم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة. ومنذ ذلك التاريخ، تخضع إسرائيل الشعب الفلسطيني لاحتلال بغيض يتنافى استمراره مع القانون الدولي وأبسط القواعد الأخلاقية التي توافقت عليها الإنسانية.
وتقوم اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا، كل عام بإعداد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول انعكاسات الاحتلال الإسرائيلي وممارساته على حياة الفلسطينيين في الأرض المحتلة.
ويوثق التقرير سنوياً الانتهاكات المتعاظمة لحقوق الفلسطينين، يوثق القتل، والتهجير، والاعتقال الإداري، وتدمير البنى التحتية والمرافق الحيوية، ومصادرة الأراضي والممتلكات، والاستحواذ على الموارد الطبيعية، واعتقال الأطفال الذين يتعرضون لشتى أشكال سوء المعاملة والتعذيب في السجون الإسرائيلية. ولا يرى المحتل عيباً في أي من ذلك. بل يبرر أحد المدعين العامين العسكريين اعتقال الأطفال وسوء معاملتهم بقوله "كل طفل فلسطيني هو مشروع إرهابي". وقد بلغ عدد الأطفال الذين اعتقلتهم سلطات الاحتلال الإسرائيلية منذ عام 2000، سبعة آلاف وخمسمائة طفل (7500).

وفي قطاع غزة يعاني مئات الآلاف من الأطفال مع سائر السكان من الحصار الجائر، في عقاب جماعي نتيجته أن ثمانين بالمائة من سكان القطاع أصبحوا يعتمدون على المساعدات الإنسانية الدولية في قوتهم اليومي.
وفي القدس الشرقية المحتلة، تستمر إسرائيل في مشروعها الهادف إلى تغيير طابع المدينة وهويتها في خرق لقرار مجلس الأمن 478 واتفاقية جنيف الرابعة. كما تتوسع في سياستها الرامية إلى تهجير سكان المدينة من غير اليهود. ولتحقيق هذا الهدف قامت إسرائيل بمصادرة ثلاثة وعشرين مليون متر مربع من الأراضي الفلسطينية وهدم أكثر من ألفي منزل (2000) في القدس الشرقية منذ عام 1968.
وإضافة إلى كل ذلك، تفرض إسرائيل قيوداً جائرة لمنع الفلسطينين من البناء في المدينة، وتضيّق عليهم سبل عيشهم حتى بلغت نسبة البطالة بين المقدسيين أكثر من 40%. وتعمل إسرائيل على عزل القدس عن سائر الضفة الغربية بالجدار الذي أكد عدم شرعيته القرار الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية، وتمنع الفلسطينين من زيارة القدس المحتلة إلا بإذن خاص وتفرض القيود على دخولهم للصلاة في المسجد الأقصى المبارك وفي كنيسة القيامة.
وتستمر إسرائيل في بناء مستعمراتها وتوسيعها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في خرقٍ واضح لاتفاقية جنيف لحماية المدنيين وقت الحرب، التي تَحظُر على السلطة القائمة بالاحتلال نقل سكانها إلى الأراضي التي تحتلها.
وقد بلغَ عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة أكثر من نصف مليون (536932) مستوطن إسرائيلي يقطنون في أكثر من مائتين وأربعٍ وأربعين مستعمرة (244) وبؤرة استعمارية. وفي المقابل تستمر سلطات الاحتلال الإسرائيلية في محاولتها تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها، حيث قامت بسحب تصاريح الإقامة لأكثر من مئتي وخمسين ألف (250 ألف) فلسطيني منذ عام 1967 ومنعتهم من العودة إلى بيوتهم منفذة بذلك سياسة تطهير مستمرة ومتدرجة، تضاف إلى عمليات التهجير والطرد الواسعة التي جرت إبان حربي 1948 و1967.
وفي نظام يحاكي نظام الفصل العنصري، تقوم إسرائيل ببناء طرق على أراض فلسطينية مصادرة، يُحظر على الفلسطينين استخدامُها أو الاقتراب منها، وتخصص للاستخدام الخالص للمستوطنين الإسرائيليين، وقد بدأت قوات الأمن الإسرائيلية مؤخراً بمنع الفلسطينيين من ركوب الحافلات التي يستخدمها المستوطنون في تجسيد جديد لسياسات الفصل العنصري هذه.
وتستمر إسرائيل في استغلالها غير المشروع للموارد الطبيعية والمائية الفلسطينية لصالح المستوطنين وسكان المدن الإسرائيلية، ولا تتيح للفلسطيني سوى ربع ما توفره للمستوطن من المياه المستخرجة من الآبار الفلسطينية. وفي المقابل تلقي إسرائيل سنوياً ما يزيد على أربعين (40) مليون متر مكعب من المياه العادمة والنفايات الصلبة في الأراضي الفلسطينية، معرضة بذلك صحة الفلسطينيين وأمنهم البيئي لمخاطر جسيمة.
السيدات والسادة،
رغم مطالبة المجتمع الدولي إسرائيل بتنفيد القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، ما زالت إسرائيل ترفض الامتثال للشرعية الدولية، وترفض تنفيذ ما يزيد على ثلاثمائة قرار (300) تؤكد على عدم شرعية المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة، وتدين الممارسات العنصرية وأعمال التغيير الديموغرافي، وتطالب إسرائيل بالانسحاب من جميع الأراضي التي احتلتها في حرب 1967، وتتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم التي هجّروا منها.
لا ترى إسرائيل ضرورة للالتزام بالقانون الدولي. فهي ترى نفسها فوق القانون ومحصنةً من أحكامه. وهي في نظر بعض السياسيين فيها ليست قوة احتلال، والفلسطينيون ليسوا متساوين مع الإسرائيليين في الإنسانية ليستحقوا التمتع بالحقوق ذاتها.
وفي وجه تعنُّت إسرائيل، وعجز المجتمع الدولي عن إلزامها بتنفيذ قراراته، يبدو للبعض أن الحلول المتفق عليها دولياً باتت غير قابلة للتطبيق. فقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة من فوات الوقت على حل الدولتين الذي حظي بتوافق دولي وإقليمي، واتخذه النظام الإسرائيلي ذريعة لكسب الوقت وتغيير الوقائع على الأرض فباتت الأراضي الفلسطينية المحتلة بنتوستانات مجزأة ومعزولة يفصل بينها مستعمرات وأجسام غريبة عليها، تمنع تواصلها وقيامها كدولة قابلة للحياة.
غير أن إصرار إسرائيل على تحطيم مقومات الدولة الفلسطينية لن يستطيع أن يمكنها من الاستمرار في إحكام قبضتها على أرض فلسطين والتحكم في مصير شعبها. وهذا الاحتلال، كغيره من الاحتلالات، سوف ينتهي لا محالة.
فهو وصمةٌ سوداء على جبين الإنسانية في عصر ما بعد الاستعمار، وهو، إذ يقوم على اعتقاد شعب بعلوّه على آخر، صفعةٌ للمجتمع الدولي الذي أقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتوافق على حمايته، وأقر حق الشعوب في الحرية وتقرير المصير.
وفي زمن عربي جديد، بدأت فيه الأمة تستعيد قيمَها، ومناعتها المحققة لشروط الحرية والوجود المستقل للأوطان، لا يمكن أن يستمر احتلال فلسطين.
في هذا الزمن الجديد، لن يبقى الخروج عن الشرعية الدولية خياراً متاحاً أمام إسرائيل.

بات عليها أن تختار إما أن تطبق القرارت الدولية القاضية بإنهاء احتلالها للأراضي العربية والفلسطينية، أو أن تتوقف عن التمييز بين الناس على أساس انتمائهم الديني أو العرقي، فتصبح دولة لجميع سكانها، دولة ديموقراطية يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات كما هو ثابت في العهود والمواثيق الدولية.
السيدات والسادة، التاريخ حافل بالشواهد على استجابة القدر لإرادة الشعوب، وشعب فلسطين لن يكون استثناءً. فرغم الصعاب، لا بد أن للحقيقة أن تظهر وللعدالة أن تسود.
مرة أخرى أشكر لكم مشاركتم وأتطلع إلى يوم تنتفي فيه الحاجة إلى عقد مثل هذا اللقاء التضامني مع الشعب الفلسطيني. وإلى حينه، نعدكم أن نستمر في دعم الحق حتى ندركَه.

-

Speeches by: