Skip to main content

Conference on the International Panel on Exiting Violence

20 June 2018
Beirut, Lebanon
 كلمة معالي الدكتور محمد علي الحكيم
الأمين التنفيذي، وكيل الأمين العام، الأمم المتحدة - اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا)
 
 
مؤتمر "الهيئة الدولية حول الخروج من العنف"
20-22 حزيران 2018
معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية –
الجامعة الأميركية في بيروت
 
اسمحوا لي أن أتقدم بخالص الشكر إلى معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية، في الجامعة الأميركية في بيروت، على هذه الفرصة التي أتاحها لي للتحدث في هذا المنتدى الدولي حول موضوع "الخروج من العنف"، وأمام هذه الحضور المتميز من الباحثين المختصين والمفكرين من ذوي الباع الطويل والمشهود لهم في هذا المجال.
 
ان تنامي أعمال العنف وتوسع ظاهرة الإرهاب، والنتائج الكارثية التي تحدثها، دفع بقضية مواجهتها إلى صدارة مختلف الاجندات الوطنية والاقليمية والدولية. بيد أنه ورغم كل الجهود المبذولة، لا تزال بلدان عربية عدة تواجه مخاطر الارهاب، والعنف، والحروب الداخلية، وما يرتبط بها من تفتت الكيانات السياسية والوطنية. وهذا العنف المتفاقم لم يقف عند الحدود الجغرافية للبلدان المعنية، بل طال بتداعياته البلدان المجاورة والبعيدة، وترك آثارا وجروحا دفينة من الصعب أن تندمل في كافة المجالات وعلى أكثر من صعيد.
 
أما الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، الذي تجاوز عامه الخمسين، فيبقى من أهم مصادر عدم الاستقرار، إن لم يكن أهمها، وكيف لا وهو مولد أساسي للعنف وللصراعات المزمنة في المنطقة العربية منذ عقود خلت.
 
من هنا، يأتي عمل "الهيئة الدولية المعنية بالخروج من العنف" ليسد فراغاً فكرياً وبحثياً من خلال اعتماده مقاربة شاملة ومتعددة الاختصاصات والمجالات لدراسة اشكال العنف المعاصر من منظور مقارن، مع التركيز بشكل خاص على منطقة الشرق الأوسط.
 
فالمحاور الرئيسية المطروحة للتداول والنقاش في هذا المؤتمر تتناول العوامل، والظروف، التي تسمح بإنتاج ظاهرة العنف وتماديها، وتقف بنظرة تحليلية على الابعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والفردية المحفّزة لها، كما تناقش سُبل التعامل مع نتائجها، والخيارات المتاحة لمواجهتها للخروج من دوامتها.
 
ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن نتائج أبحاث المجموعات العاملة ضمن "الهيئة الدولية المعنية بالخروج من العنف" على مواضيع "إعادة بناء الذات وتأهيل الأفراد" و"العنف الموجه ضد النساء" و"العدالة الانتقالية" و"دور التاريخ والذاكرة الفردية والجماعية"، ستشكل سنداً معرفياً اضافياً لبلدان عربية عدة تسعى للخروج من دوامات العنف وتعمل على إعادة ترميم نسيجها الاجتماعي.
 
وهذا الجهد المكثف من قبل مجموعات عمل "الهيئة" المختلفة على مدى العامين الماضيين يتقاطع بنتائجه وأهدافه مع الجهود المبذولة منذ عقود من قبل الأمم المتحدة، وتحديداً مع أهداف "خطة العمل لمنع التطرف العنيف" التي أصدرها الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون في 15 كانون الثاني / يناير 2016.
 
ولقد تضمنت خطة عمل الأمم المتحدة موجزاً عن اتساع نطاق ما يندرج تحت مكافحة التطرف العنيف، وقدمت أكثر من 70 توصية للدول الأعضاء لكي يتم تضمينها في برامج مكافحة التطرف العنيف الوطنية، بدءاً من مبادرات سياسات التنمية والحكم الرشيد وحقوق الإنسان، إلى تمكين الشباب والمساواة بين الجنسين ودور مواقع التواصل الاجتماعي.
أيها الحضور الكريم،
 
لطالما شكل موضوع العنف الهم الأساسي لمنظومة الأمم المتحدة منذ أن أسدلت الحرب العالمية الثانية أوزارها وحتى يومنا هذا. وهذا الهم تجلى أولاً في التحول الفكري والمفاهيمي الذي أدخل على مستوى مقاربة موضع مكافحة جرائم الحرب والجرائم ضد السلام والجرائم ضد الإنسانية مع تكريس مبدأ عالمية حقوق الأنسان وسمو القانون الدولي على النظم القانونية الداخلية.
 
 كما انعكس هذا الهم ثانياً في تركيز اهتمام منظومة الأمم المتحدة على حماية الأفراد من العنف ومن تأثيراته الجسدية والمعنوية عليهم كأشخاص، وليس فقط الاهتمام بالأضرار التي تلحق بكيان الدولة.
 
وفي "خطة العمل لمنع التطرف العنيف" تدعو الأمم المتحدة إلى اتباع نهج شامل لا يقتصر على اتخاذ تدابير أمنية أساسية لمكافحة الإرهاب، بل يتخطاه إلى ما هو أبعد، أي اتخاذ خطوات وقائية منهجية لمعالجة الظروف الكامنة التي تدفع الأفراد إلى الانسياق إلى التطرف والوقوع في شبكات الجماعات المتطرفة العنيفة.
وتطرح الخطة نهجاً يشمل كل منظومة الأمم المتحدة، لدعم الجهود الوطنية والإقليمية والعالمية الرامية إلى منع التطرف العنيف. وتدعو وكالات الأمم المتحدة إلى مساعدة الدول الأعضاء في وضع خطط عمل وطنية تطال دور الفرد والجماعات والمجتمع والدولة من أجل الإفلات من دوامة العنف والإرهاب.
 
ففي إطار "خطة العمل لمنع التطرف العنيف" تضطلع المنظمات واللجان الاقليمية ودون الاقليمية بدور هام واساسي في حل النزاعات والصراعات التي تنشأ في محيط تفويضها الجغرافي. ومن خلال إضفاء الطابع المؤسساتي على الدبلوماسية الاجتماعية والاقتصادية والتنموية الوقائية، تعمل المنظمات واللجان الإقليمية، وتحديداً اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، على تعزيز النهج الإقليمي لمعالجة آثار العنف وتعزيز آليات الوقاية وتوطيد الاستقرار، وهي تمتلك عدة مواصفات وميزات للقيام بهذا الدور، من أبرزه: على صعيد المثال لا الحصر:
 
- إلمامها بتركيبة البيئة السياسية والاجتماعية لدول المنطقة، ومعرفتها بطبيعة الصراعات المعقدة ومسبباتها وتداعياتها على المدى الطويل؛
- قدرتها على تسهيل التفاوض والوساطة بين الأطراف المتنازعة لمنع تفاقم أعمال العنف أو لاحتوائها بعد نشوبها؛
 
- قدرتها على إيجاد حلول واقعية للصراعات تفادياً لانتقاله وانتشاره بسبب التداخل الجغرافي والاجتماعي الشديد بين دول المنطقة؛ ففي مجال منع الصراعات وحل النزاعات وبناء السلام المستدام تقوم الاسكوا بالتركيز على دبلوماسية المسار الثاني ذلك من خلال استضافة وقيادة الحوارات الفنية وإطلاق دبلوماسية المسار الثاني بين الأطراف المتنازعة على المستوى الإقليمي والوطني:
 
ولهذه الغاية، وضعت الإسكوا آليات ومنصات حوارية لتأمين نهج شامل ومتعدد القطاعات وتشاركي ومراعي للنزاع لمعالجة قضايا الحوكمة، والتحديات الاجتماعية والاقتصادية، ولتمكين أصحاب المصلحة الوطنيين من وضع حلول وإصلاحات مصممة خصيصا لسياقاتهم الوطنية. وفي السنوات الأخيرة، شرعت الإسكوا في تنفيذ مشاريع الحوار التقني في سوريا وليبيا واليمن، والتي تستند إلى هذا النهج المشترك والمبادئ الأساسية المشتركة، ولكن في التصميم، يتم تخصيصها وفقا للسياق والاحتياجات الفريدة لكل بلد؛
- قدرتها على حث الدول على تفعيل دور الشباب والمرأة واشراكهم في عمليات صنع القرار على الصعيدين الوطني والمحلي؛
 
- مساهمتها في تصميم وتنفيذ نظم إنذار مبكر متعدد الأبعاد والمجالات لمنع نشوب الصراعات ومكافحة التطرف والتطرف العنيف على المستويين الإقليمي والوطني؛ عقد مناقشات / اجتماعات دورية مع قادة الرأي وكبار المسؤولين والخبراء وأصحاب المصلحة من أجل تحديد الاتجاهات والتهديدات الناشئة لبناء السلام في المنطقة لتوضيح واقتراح الحلول الإقليمية للمشاكل الإقليمية.
 
وفي هذا المجال أيضا تمتلك الاسكوا خبرة طويلة في استخدام البيانات الرئيسية عن الصراعات وذلك من أجل تحليل الأسباب الجذرية للصراعات وتأثيراتها لدعم الدول الأعضاء (أ) لتحديد الاتجاهات السائدة من خلال استخدام قواعد بيانات الصراع وتحسينها و (ب) الاستجابة بشكل تعاوني وليس تنافسي من خلال آلية تقييم إقليمية للمخاطر.
 
ان عدم تكافؤ سبل العيش وانعدام الفرص الاقتصادية على الكثيرين حياة بائسة ويائسة تفتقر ليس فقط إلى أدنى مستويات العيش الكريم بل تتعداه إلى الافتقار لقيمة أساسية غير ملموسة ألا وهي كرامة الإنسان. وبالتالي، فإن العمل على الخروج من العنف بهدف بناء مستقبل أفضل يمكن أن يبدو لنا جميعا كاستجابة تكاد تكون منطقية، بل بديهية. وبناءً عليه فإن حث الحكومات على ترسيخ أسس الحكم الرشيد والادماج الشامل والإصلاح الفعلي.
 
لا بد لي أن أذكر بالأهمية القصوى التي تكتسيها منتديات فكرية كجمعنا هنا في هذا اليوم. كيف لا والعالم ما فتئ يتخبط في محاولته القضاء على ظاهرة العنف والإرهاب. وليس الحل العسكري هو الحل الأمثل بل علينا القضاء على جذور العنف والإرهاب والبحث عن الاسباب الاجتماعيًة والاقتصادية والثقافيًة الكامنة وراء هذه الظاهرة المزمنة، والبحث عن المقاربات الواعدة في سبيل القضاء عليها.
 
ان الفقر العميق والمتعدد الابعاد ونسبه العالية في منطقتنا العربية يجب ان يحسب لها حساب في المستقبل، وعلى الحكومات ان تعد ميزانياتها السنوية بشكل يضمن الحد الأدنى من حق العيش الكريم بتقديم الخدمات الضرورية اللازمة والعمل على:
  1.  ان العوائل التي تعيش في خط الفقر العميق والمتعدد الابعاد هي في غالبها كبيرة الحجم وربما تعيش في القرى وعلى أطراف المدن. وان توفير التعليم المجاني يعد ضروريا لرفع مستوى هذه الشريحة من المجتمع.
  2.  توفير الاتصال الدائم عن طريق الطرق والخدمات الصحية والكهرباء والماء ومساعدتهم في إيجاد فرص عمل توفر لهم الحياة الأفضل
  3. ادماج هذه الشريحة في خطط البيئة المستدامة والتركيز على آليات رفع المستوى المعيشي لهذه الشريحة
  4. ان تعمل الحكومات على نشر التسامح الديني وافكاره والحد من نشر التطرف وتأثيره الخطير.
 مرة أخرى وإذ أكرر شكري وامتناني لكم على دعوتكم لي لافتتاح محفلكم هذا، أتمنى أن يتكلل سعيكم إلى تطوير وتعميق المعرفة حول ظاهرة العنف بالنجاح في سبيل التوصل إلى وضع خطط وسياسات فاعلة قادرة على إحداث تغيير حقيقي ونقلة نوعية في عملية الخروج من العنف.
 
أتمنى لكم نقاشا ثريا، ومداولات مثمرة.
Speeches by: