Skip to main content

Celebration Honoring the Late Sayyed Hani Fahs

14 November 2014
UNESCO, Beirut



الاحتفال التكريمي للعلامة الراحل السيد هاني فحص

كلمة الدكتورة ريما خلف،
وكيلة الأمين العام والأمينة التنفيذية للإسكوا
في الاحتفال التكريمي للعلامة الراحل السيد هاني فحص

قصر الأونيسكو، بيروت، الجمعة 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2014
الساعة الثالثة والنصف عصراً

السيدة الفاضلة أم حسن،
عائلة السيد، أصدقاءه ومحبيه،

 

كان محمود درويش يقول:
"هَزَمَتْكَ يا موتُ الفنونُ جميعُها"

وبعض الناس كأنهم فن، كأنهم قصص أو رسوم؛ يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ويتعممون على كرمِ شمائلَ وعلوِّ مقامٍ كأنهم يتعمدون، تواضعاً، إخفاءه. السيد هاني فحص بعض هؤلاء.
وكما يجمع الفن بين النقائض حتى يريك أنها مترادفات، يجمع السيد نسيجاً من قيم وأفكار بحيث يجعل تنوعها عمقاً، واختلافها تكاملاً، والجميع جمالاً.

 

سيد معمم يعشق الموسيقى ويتلو الشعر في حوزة النجف.  فقيه يعلي شأن المرأة وينتصر لحقوق الإنسان. عرف الماضي الذي لن يمضي، وقرأ المستقبل الذي لن يتأخر. في مكتبته، يسكن ماركس وفانون بجوار الإنجيل والتوراة. شيخ جليل، طالب علم، يرى نفسه مبتدئاً كلما بلغ الغاية.
 
متمرد رمزٌ للاعتدال. يحب الطائفة ويغضب إذا ما حل الولاء، لأي طائفة، محل الانتماء للوطن. يفرح عندما يلتقي الأطفال في مخيمات "فرح العطاء"، يتلمس فيهم قلوباً نقية لم يفسدها التعصب ولا خطايا الكبار. يحزن على ثروات أمة تصرف على حروب الإخوة، ولا تنتج سوى الفقر والجهل والكسل والتخلف.  يتطلع إلى يوم تُنتج فيه الثروة علماً والعلم ثروةً.  

انفتح على الجميع ففاز بالقلوب، واستغنى عن الجميع فعاش نعمة الاستقلال والحرية. تشدد في نقد من يحب، لأنه يحبهم، بينما من  آفات زماننا أن يعذر كل حليف حليفه حتى يقع كلاهما في الخطأ والخطر. انحاز للمستضعفين، وكان عادلاً، مسكوناً بحب فلسطين. 

بحثت في الذاكرة عن صورٍ للسيد، فوجدت أقدمها يعود إلى عام 1973. أما المكان، فقرية كفر شوبا التي كانت اسرائيل قد اعتدت عليها  قبل أيام مخلفة كعادتها دماراً كبيراً. وأما المشهد، فهو لطلبة أتوا للمساعدة في إعادة إعمارها. كانوا مع السيد هاني فحص مصطفين تحت سنديانة عتيقة أمام مسجد البلدة المدمر، يؤدون صلاة الجماعة خلف الإمام السيد موسى الصدر.

اليوم أستذكر صلاة الجماعة تلك ويتعمق لدي مغزاها بعد أن كثر قصف الطائرات لصلاة الجماعة، وبعد أن حلَّ الانقسامُ مكان الوحدة، وصار المذهبُ بديلاً للدين.

ثلاثون عاماً وأكثر، ولم تغب ملامح تلك الصورة، إلى أن التقينا. كان ذلك يوم انساب صوت في  أحد المؤتمرات هادئاً رصيناً، يفند ادعاءات متحدث أمعن تجريحاً في أمته حتى كاد يُخرج الصَّبور عَنْ صَبْرِهِ. نظرتُ إلى صاحب الصوت، فإذا برجل معمم، يتحدث ببلاغة تخلو من الانفعال، ولا تخلو من سرعة بديهة وابتسام. كان، السيد هاني فحص. عرفته قبل أن أقرأ لوحة الاسم أمامه. عرفته بأخلاقه وبلاغته قبل وجهه. 

ومنذ ذلك الحين، لم نفترق. حرصت على أن يكون السيد معنا مرجعاً علمياً وبوصلةً أخلاقيةً في كل عمل فكري ننتجه. كرّمنا بوجوده في المجالس الاستشارية لتقارير التنمية الإنسانية، والتكامل العربي. وجوده كان يُشعر الجميع بالأمان، دماثة خلق، ورجاحة رأي، وسعة معرفة، كأنك تغرف من بحر.

قلبي مع أسرته الكريمة، مع زوجته السيدة أم حسن، وأنجاله وكريمتيه وأحفاده، لقد أورثهم على قَدْرِ أَلَمِهِمْ فخراً وذكراً كثيراً طيباً.

السيد هاني، حتى يأتي يوم يأنس به الغرباء عند من لا يغترب عنده أحد، والمظلومون عند من لا يُظلم عنده أحد، سلم على من لقيت منهم، ثم السلام عليك.

Speeches by: