Skip to main content

The Annual Arab Banking Conference 2011: Future of the Arab World in Light of Recent Transitions

24 November 2011



مؤتمر المصارف العربية السنوي 2011: "مستقبل العالم العربي في ظل التحولات الراهنة"

معالي الدكتور محمد سيمسك، وزير مالية تركيا،
معالي السيدة ستيفانا كراكسي، نائبة وزيرة خارجية إيطاليا،
معالي الأستاذ عدنان القصار، رئيس الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة للبلاد العربية،
أصحاب المعالي والسعادة،
الحضور الكريم،
إنّه لمن دواعي سروري أن أشاركَ اليوم في المؤتمر المصرفي العربي السنوي الذي بات، بفضل الجهود الحثيثة لاتحاد المصارف العربية، ملتقىً هاماً لمناقشة التحديات التي تواجه القطاع المصرفي في المنطقة. وأحيّي القيّمين على هذا الحدث الهام، لما يبذلونه من جهد للتعبير عن شواغل هذا القطاع الحيوي وهي كثيرة، ولسعيهم الدؤوب إلى تعميق ارتباطه بقضايا نهضة المنطقة وازدهارها.

الحضور الكريم،
نجتمع اليوم، وبلداننا العربية تمر بمنعطفٍ تاريخيٍ هام. منعطفٌ يحمل الكثيرَ من الفرص والآفاق المبشرة بمستقبل أفضل.
فنحن نشعر، وربّما للمرة الأولى منذ عقود، أنّ مستقبلنا يُرسم بإرادتنا لا بإرادة غيرنا، وأن أبناءنا سيتمتعون بحرياتٍ وحقوق حُرمت منها أجيال متتالية من العرب على أيدي محتل غاشم أو مستبد ظالم. نرى صحوةً تطلق العنان للإبداع والابتكار، فتولد ازدهاراً اقتصادياً، وفكراً خلاقاً يعيدان لمنطقتنا ألقها وإسهامها في إثراء الحضارة الإنسانية وموقعها الرائد بين الأمم. فصورة المجلس الوطني التأسيسي التونسي المنتخب من الشعب ستبقى في مخيّلتنا صورةً للعالم العربي الجديد.

وإن كانت الثورات العربية قد نقلت هذا المستقبل الجميل من حيز المرغوب الممتنع، إلى حيز القريب الممكن، فنحن ندرك جيداً أن الدرب إليه وعرة ومحفوفة بالصعاب. والتحدّيات، وبخاصة في الأمد القريب والمتوسط، جسيمة وكثيرة.
نواجهها جميعاً كل من موقعه، صناعيين ومصرفيين وصانعي قرار، ومواطنين قلقين من غدٍ غيرِ واضح المعالم ومن رؤية ضبابية تحمل الكثير من التساؤلات، وتُلقي على عاتق كل منّا مسؤوليةً جمة.

الحضور الكريم،

لقد كَثُرَ الحديث مؤخراً عن كلفة ما سمي ب"الربيع العربي". فميادين التحرير العربية التي أعادت للمواطن حريتَه وحقوقَه وحيويتَه، أدخلت التردد إلى قلب السائح والشك إلى عقل المستثمر. فانحسرت السياحة الأجنبية وتدنت نسب الاستثمار، وتعثر نمو الدخل، مخلفاً زيادة مقلقة في معدلات البطالة والفقر. وقد قدرت بعض التقارير هذه الكلفة بنحو 34 مليار دولار منذ أوائل هذا العام. إلا أن هذا الرقم الضخم سيبدو صغيراً عندما يقارن بالكلفة التي تحملتها البلدان العربية في غياب المساءلة والمحاسبة والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار. وهو ليس في الحقيقة سوى ثمنٍ زهيد ومؤقت مقابل الفوائد التي يُتوقع أن تعود على اقتصاداتنا نتيجة للانتقال الفعلي إلى حكم ديموقراطي، يكافح الفساد، ويبني المؤسسات، ويصون الحريات فيعزز معها القدرة على الخلق والإبداع.

فإن مكافحة الفساد وتحقيق الشفافية والمساءلة، سيؤديان بلا شك إلى الحد من هدر الأموال العامة، والذي وصل إلى مستويات تدعو للقلق. فقد قدَّرت المنظمة العربية لمكافحة الفساد أن حجم الأموال المفقودة في المنطقة العربية نتيجة للفساد وصل إلى تريليون دولار خلال الفترة من عام 1950 إلى 2000 (أي بمعدل 20 مليار دولار سنوياً). كما أن المشاركة الشعبية الحقيقية في تحديد الأولويات، والفصل بين السلطات سينهيان مرحلة التفرد في اتخاذ القرار والذي أسفر في كثير من الأحيان عن تخصيص عشوائي للموارد العامة، وإنفاق استثماري أقرب إلى البذخ منه إلى الإنتاج.

فمع أن الدول العربية أنفقت قرابة 25 % من دخلها خلال الفترة من 1975 إلى 1998 على التكوين الرأسمالي الثابت، كانت بنيتها الصناعية في نهاية الفترة أقل تطوراً منها في بدايتها، ولم يتجاوز متوسط النمو في دخل الفرد خلالها النصف في المائة سنوياُ. كما أن حماية الحقوق والحريات ستطلق الطاقات الإبداعية للأفراد والمؤسسات وتسهم في إنتاج معارف جديدةوفي زيادة الإنتاجية ، وتعزز القدرة التنافسية للاقتصاد في زمن باتت فيه المعرفة والابتكار المحرّك الرئيسي للنمو. ورغم هذا التفاؤل في المستقبل، نعي جيداً أننا أمام مجموعة من التحديات الاقتصادية التي تفرض نفسها علينا بقوّة على الأمد القصير، يزيد من حدتها ارتباكُ الوضع السياسي ليس فقط في بلدان الربيع العربي، بل في سائر بلدان المنطقة التي ترى حتمية التغيير وتحاول أن تتلمس طرق التعامل معه. وسيكون أهم هذه التحديات هو بلورة رؤية اقتصادية واضحة تحقق النمو، وتُوازِن بين متطلّبات اقتصاد السوق ومقوّمات العدالة الاجتماعية.

فما مدى قدرتِنا على بلورة هذه الرؤية؟
علينا أن نقر أولاً بأن الثورات كانت وليدة الصعوبات المعيشية والفشل الاقتصادي والإحباط بقدر ما كانت وليدة القهر والاستبداد السياسي. فعدد كبير من شبابنا يفتقرون إلى مقوّمات العيش الكريم والعمل اللائق. علينا أن نقر أيضاً بأن السياسات الاقتصادية الداعمة للقطاع الخاص واقتصاد السوق، جاءت، في الطريقة التي طبقتها النظم التي أطيح بها، لتصب في صالح النخب الاقتصادية على حساب المواطن والقطاع الخاص المنتج. وبالتالي لم تخدم هذه السياسات المنظور الاستراتيجي للتنمية، وبقيت عاجزة عن تحقيق تنمية اقتصادية وإنسانية شاملة. وهذا دفع الكثيرين إلى المناداة بالعودة إلى نظم اقتصادية أثبتت التجربة عدمَ قدرتها على تشجيع الابتكار والإبداع، ولا تنسجم مع مفهوم الديمقراطية الذي بات الأساس في علاقة المواطن بالدولة.

ولعل عماد الرؤية الاقتصادية الجديدة هو تحقيق التوازن بين المطالب الحقّة للمواطنين والإمكانات الاقتصادية، المحدودة بطبيعتها. فتلبية مطالب الناس وحاجاتهم الأساسية، مثل التعليم والخدمات الصحية والعيش الكريم، هي من صلب مسؤوليات الدولة. ولكن رغبة صانع القرار في تحقيق هذه المطالب قد تصطدم بإمكانات الاقتصاد الآنية. ولا مخرج من هذه المعضلة إلا ببناء قدرة الاقتصاد على النمو القابل للاستمرار في الأمد الطويل، ومقاومة الانسياق في الأمد القصير وراء سياسات شعبوية تزيد من عبء المديونية وتقوض الاستقرار وآفاق النمو في المستقبل.

وهنا يبرز دور القطاع الخاص كمحرك للنمو. فهو، عندما يعزز قدرته على المنافسة في السوق المحلية وفي الخارج، يولد فرص العمل مخففاً بذلك من مشكلات الفقر والبطالة، ويساهم في بناء اقتصاد وطني منيع، ويكون شريكاً رئيسياً في عملية التنمية. أما القطاع المصرفي، وهو موضوعُ اجتماعِنا اليوم، فالمتوقع منه تعزيزُ مساهمته في تأمين التمويل الكافي لاحتياجاتنا الاقتصادية والإنمائية في هذه المرحلة الحرجة، من خلال تعبئة الموارد المحلية لتمويل التنمية، والعمل على توجيهها نحو استثمارات منتجة في مختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية.

الحضور الكريم،
منطقتنا اليوم على أبواب مرحلة جديدة. هي في أمس الحاجة إلى نهج إنمائي جديد شامل ومتكامل، يضمّ الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية معاً، في إطار مؤسسي ديمقراطي، يضمن المشاركة الكاملة في عملية صنع السياسات وتنفيذها ومراقبتها. هذا النهج يجب أن يكون الأساس الذي تنطلق منها عملية التغيير لبناء الدولة الإنمائية التي تضع كرامة الإنسان في صلب أولوياتها باعتباره محركاً للتنمية وهدفاً لها وباعتبار التنمية حقاً أساسياً من حقوق الإنسان. وهذا هو النهج الذي تؤيّده جميع أجهزة الأمم المتحدة، وعلى رأسها الاسكوا باعتبارها الحضور الإقليمي للأمم المتحدة في المنطقة العربية. فإذا كانت التنمية لا تستمر في ظلّ النزاعات، فالمؤكد أن النزاعات لن تجد لها مكاناً ولا مبرراً في ظل نهج إنمائي يشمل الجميع ولا يستثني أحداً.

Speeches by: