معالي السيد نقولا نحاس وزير الاقتصاد والتجارة
معالي الدكتور عدنان السيد حسين رئيس الجامعة اللبنانية
معالي السيد عدنان قصار رئيس اتحاد الغرف العربية
الدكتور بشير عصمت مستشار معالي وزير الشؤون الاجتماعية
الحضور الكريم
نيابة عن الدكتورة ريما خلف، الأمين التنفيذي للإسكوا وبالأصالة عن نفسي، يسعدني أن أرحب بكم، ويشرفني أن أكون بينكم في رحاب الجامعة اللبنانية، في حفل إطلاق التقرير الذي أعدته الإسكوا، تقرير الأهداف الإنمائية للألفية في العالم العربي.
وللمناسبة، ومكانها أهمية خاصة.
اما المناسبة فهي تسليط الضوء على الأهداف الإنمائية للألفية التي تمثل بالنسبة للأمم المتحدة وللبلدان الأعضاء ما يمكن اعتباره أجندة أولويات التنمية العالمية للفترة الممتدة بين عامي 2000 و2015. والهدف منها هو التوافق على أهداف وانجازات محددة قابلة للقياس، يلتزم المجتمع الدولي مجتمعاً، والبلدان منفردةً، بتحقيقها في الفترة الزمنية المتفق عليها، التي يفترض ان تنتهي بعد أربع سنوات من الآن.
وفيما يختص باختيار مكان هذا اللقاء، والشركاء في حفل الإطلاق فلذلك أيضا دلالة لا تقل أهمية. فقد هدفنا ان يكون في الجامعة اللبنانية لأننا نسعى الى تطوير الشراكة مع الجامعات ومن ضمنها الجامعة اللبنانية. كما هدفنا ان يتضمن حفل الإطلاق مناقشة صريحة ونقدية للتقرير يطرح التحدي في مقاربة منظور المؤسسات الدولية من منظور الأكاديميين والإعلاميين والطلاب والناشطين والقطاع الخاص، فتحقيق الأهداف التنموية مشروط بالشراكة والعمل المشترك بين الجميع.
على امتداد العقد الماضي، حققت البلدان العربية تقدماً جزئياً وبنسب متفاوتة بين دولة وأخرى وبحسب الموضوع. فقد سجلت الدول العربية الغنية بالموارد والدول ذات مستوى التنمية المتوسط تقدماً محسوساً بالنسبة لمعظم الأهداف خصوصا في الجوانب الكمية، فيما لا يزال هناك جوانب قصور متعددة في الجوانب النوعية. أما الدول العربية الأقل نموا وهي ست دول (اليمن، والسودان، والصومال، وجيبوتي، وموريتانيا، وجزر القمر) فهي تواجه صعوبات تنموية كبيرة ولا تزال تشكو من فجوات كبيرة في التغطية الكمية للخدمات الأساسية من صحة وتعليم ومياه وصرف صحي، عدا عن مشكلة الفقر الحادة.
السيدات والسادة
إن الرسائل الرئيسية التي يتضمنها التقرير تتجاوز الإحصاءات والأرقام، على أهميتها. وأبرزها التشديد على أهمية الشراكة الدولية من اجل التنمية. واذا كنا نعيش في نظام معولم كما يؤكد الجميع، فهذا يعني ان المجتمع الدولي والنظام الاقتصادي العالمي شريكان أساسيان في النجاح او الفشل على الصعيد العالمي كما على صعيد البلدان النامية. وبهذا الصدد توجد بعض المؤشرات المقلقة.
ففي قمة الدول الأقل نموا التي عقدت في اسطنبول منتصف العام الماضي (2011)، تبين بعد تقييم 40 سنة من العمل التنموي ان عدد الدول الأقل نموا انخفض من 51 دولة الى 48 دولة . كما تبين ان متوسط دخل الفرد الذي كان يشكل 18 في المائة من متوسط الدخل العالمي عام 1971، قد انخفض الى 15 في المائة عام 2011. وهذا مؤشر على فشل كبير في استراتيجيات التنمية المعتمدة، وعلى فشل إجمالي في النظام لا يقتصر على الدول النامية فقط. اذ ان نجاح أي نظام يقاس من خلال نجاح الحلقة الأضعف لا الأقوى. علماًُ ان التطورات التي حصلت في السنوات الأخيرة كشفت ان النظام الاقتصادي العالمي يعاني من أزمات حادة في حلقته الأقوى ايضا. وهذا ما تعبر عنه الأزمات العالمية المتعاقبة عامي 2007 و2008، والتي كان أكثرها دلالة وخطورة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية عام 2008. بتداعياتها المستمرة حتى الساعة رغم كل الإجراءات والمحفزات.
يظهر هذا التقرير أن النمو المتوقع خلال العامين المقبلين هو دون المستوى المطلوب، ومعدلات البطالة سوف تستمر مرتفعة وتبلغ 9 في المائة عالميا مع تفاوتات كبيرة جدا بين البلدان لاسيما بطالة الشباب التي تصل الى 40 في المائة في بعض البلدان. ولا يتوقع ان تعود الى مستوياتها قبل عام 2008 الا عام 2015 هذا ما لم تحصل أزمات أو ارتدادات جديدة للأزمة وستستمر التأرجحات الكبيرة في الأسعار وتؤثر على التجارة وعلى اقتصادات الدول ما لم تكن المعالجات كافية للحؤول دون ذلك ولكبح جماح الاقتصاد المالي المتضخم بالقدر الذي يؤدي إلى الاستقرار.
ونشير إلى كل ذلك لأن هذه الأزمات تؤثر مباشرة على تحقيق أهداف الألفية كونها زادت من نسب الفقر والبطالة. كما أنها أدت إلى ضغط على الموارد المالية الوطنية والعالمية التي بالإمكان توجيهها إلى تحقيق التنمية وأهداف الألفية.
لذلك علينا التوقع أن البيئة العالمية سوف تكون اقل تجاوبا مع احتياجات التنمية، خصوصا في البلدان النامية الأمر الذي يرتب مسؤولية جدية على الجهات الإقليمية والوطنية، ولاسيما مسؤولية تفعيل الشراكة الإقليمية من اجل التنمية في العالم العربي، حيث يفترض بالدول العربية الأكثر قدرة أن تلعب دورا أكثر أهمية في تقديم المزيد من الدعم للدول العربية الأقل نمواً، والدول التي تمر في ظروف صعبة مزمنة او مستجدة من خلال المساعدات التنموية، وإجراءات التكامل الاقتصادي والاجتماعي، وتبادل الخبرات والمعرفة.
الحضور الكريم
إن التطورات التي شهدتها البلدان العربية خلال عام 2011 والتي لا تزال مستمرة، وهو ما يعرف اختصارا بالربيع العربي، تزيد من حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الحكومات والمنظمات الدولية والشعوب، من اجل بلورة طريقها الواضح نحو مشروع تنموي ونهضوي، وطني وعربي.
ان شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي ارتفعت في معظم البلدان العربية تبقى مجرد شعارات ما لم تتحول الى مضامين ملموسة تتجسد في رؤى وسياسات وخطط عمل.
وعلى الرغم من غلبة الطابع السياسي على الحراك العربي، فإن الشأن التنموي ببعده الاجتماعي والاقتصادي وببعده المتصل بحقوق الإنسان والشعوب كان حاضرا بقوة. فالشرارة التي أطلقت الاحتجاجات كانت غالبا تتعلق بالبطالة والفقر والتفاوت الاجتماعي وحرمان المناطق الداخلية او الريفية وغياب مبدأ سيادة القانون...الخ. وهذه كلها في صلب أهداف الألفية الإنمائية. وهي كلها لا تزال على رأس قائمة الأولويات في مراحل التحول التي افتتحتها الحكومات والبرلمانات المنتخبة حديثا. ان بلدان المنطقة تواجه تحدي التحول التاريخي من الأشكال المختلفة للدولة الغنائمية الى الدولة المدنية الديمقراطية، الدولة التنموية، دولة الحق والقانون والمؤسسات.
ان الربيع العربي يشكل بالنسبة الينا كمنظمات أمم متحدة، تحديا معرفيا وعمليا لا نتهرب منه. فنحن بدأنا بمراجعة لمفهوم التنمية نفسه بالاستفادة من دروس الربيع العربي. وكذلك نحن نراجع استراتيجياتنا وخطط عملنا ونوع الدعم الفني الذي كنا نقدمه في ضوء ما شكله الربيع العربي من مفاجأة بالنسبة إلينا كما بالنسبة لكل الناس تقريبا، حيث انه لا يمكن الاكتفاء بقراءة الأرقام والإحصاءات لمعرفة نبض الناس ولاكتشاف الديناميات التي تمارس فعلها في عقول الناس وقلوبهم وهم قلب التنمية، وغايتها ووسيلة تحقيقها.
وعلى هذا الأساس أيضا، ضمّنا تقريرنا أفكارا جديدة لا تنحصر في نطاق متخصص ضيق بقدر ما تخاطب الناس المعنيين بالتغيير أولاً وأخيراً.
السيدات والسادة
أخيرا، اشكر لكم مشاركتكم لنا حفل الإطلاق هذا، وآمل أن يشكل نقطة انطلاق لسلسة من الأنشطة المشتركة مع المؤسسات الجامعية والمدارس الثانوية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص في لبنان والبلدان العربية الأخرى، لأن تحقيق التنمية هو في النهاية مسؤولية الجميع.
أدعوكم إلى نقاش صريح ومنتج من اجل هدفنا المشترك وهو المساهمة في إطلاق مشروع نهضوي عربي وشامل. وشكرا لكم.