29 November 2010
بيت الأمم المتحدة، بيروت
كلمة معالي الدكتورة ريما خلف
وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
في عام 1977 قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتبار التاسع والعشرين من نوفمبر من كل عام يوماً للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وقد انطلقت في ذلك من بالغ قلقها لعدم تحقيق حل عادل لقضية فلسطين، ولاستمرار حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه غير القابلة للتصرف وعلى رأسها حقه في العودة إلى دياره وحقه في الاستقلال والسيادة الوطنية في وطنه فلسطين. ومنذ ذلك التاريخ، وفي مثل هذا اليوم من كل عام، يجدد المجتمع الدولي التزامه بدعم الشعب الفلسطيني ومساندته له في استرجاع حقوقه. كما يستنكر الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي، ويطالب بتنفيذ القرارات الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن في هذا الشأن.
وقد زاد عدد هذه القرارات على 300 قرار جلها يدعو إسرائيل إلى احترام المواثيق والأعراف الدولية، ويؤكد على عدم شرعية المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة، ويطالب إسرائيل بالانسحاب من جميع الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967.
الحضورالكريم،
الحضورالكريم،
بدأ استهتار إسرائيل بالقانون الدولي في اليوم الأول لتأسيسها حين تجاوزت حدود الدولة التي منحها إياها قرار الجمعية العامة رقم 181 لعام 1947 وقامت بالاستحواذ بالقوة على أكثر من نصف المساحة التي خصصها ذلك القرار للدولة العربية. وفي انتهاك آخر لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة، قامت إسرائيل في عام 1967 باحتلال سائر الأراضي الفلسطينية مخضعة شعباً بأكمله لاحتلال بغيض يتنافى استمراره ليس مع القوانين والأنظمة الدولية فحسب، بل أيضاً مع أبسط القواعد والمثل الأخلاقية التي توافقت عليها الإنسانية.
وإذا ما استعرضنا قائمة الانتهاكات الإسرائيلية لوجدناها تتخذ أشكالاً عدة. ففي الحروب والاجتياحات المتكررة تزهق أرواح المدنيين، وتدمّر البنى التحتية والهياكل الأساسية الحيوية، ولا يتورع بعض جنود الاحتلال حتى عن استخدام الأطفال الفلسطينيين كدروع بشرية.
أما في أيام اللا-حرب، ولا أقول السلم، فتُسلب من الفلسطينيين أرضُهم، ومياههم، وأشجارهم، وطفولة صغارهم. ويتعرضون بشكل مستمر للقتل والاعتقال والتوقيف التعسفي على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلية، وتقيّد حركتهم حتى فيما بين مدنهم وقراهم. ويُمنع الفلسطينيون من دخول القدس المحتلة إلا بإذن خاص، وتقرر إسرائيل بشكل منفرد من يحق له الصلاة في المسجد الأقصى المبارك أو في كنيسة القيامة، بينما تستمر في عمليات تهويد القدس واقتلاع الفلسطينيين من بيوتهم قسراً لصالح المستوطنين اليهود.
وإذا ما استعرضنا قائمة الانتهاكات الإسرائيلية لوجدناها تتخذ أشكالاً عدة. ففي الحروب والاجتياحات المتكررة تزهق أرواح المدنيين، وتدمّر البنى التحتية والهياكل الأساسية الحيوية، ولا يتورع بعض جنود الاحتلال حتى عن استخدام الأطفال الفلسطينيين كدروع بشرية.
أما في أيام اللا-حرب، ولا أقول السلم، فتُسلب من الفلسطينيين أرضُهم، ومياههم، وأشجارهم، وطفولة صغارهم. ويتعرضون بشكل مستمر للقتل والاعتقال والتوقيف التعسفي على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلية، وتقيّد حركتهم حتى فيما بين مدنهم وقراهم. ويُمنع الفلسطينيون من دخول القدس المحتلة إلا بإذن خاص، وتقرر إسرائيل بشكل منفرد من يحق له الصلاة في المسجد الأقصى المبارك أو في كنيسة القيامة، بينما تستمر في عمليات تهويد القدس واقتلاع الفلسطينيين من بيوتهم قسراً لصالح المستوطنين اليهود.
وفي هذا كله، لا ترى إسرائيل ضرورة الالتزام بالقانون الدولي. فهي في نظر بعض سياسييها ليست قوة احتلال، والفلسطينيون في نظر قوة الاحتلال ليسوا مكافئين لهم في الجدارة الإنسانية ليستحقوا التمتع بالحقوق المقرة للبشرية جمعاء. الاحتلال ضمناً هو اعتقاد شعب بعلوّه على آخر، كما هو تعريفاً مصادرة حريات الآخر وأمنه الإنساني عن طريق العنف.
أصحاب المعالي والسعادة،
أصحاب المعالي والسعادة،
تتجاهل إسرائيل تطبيق القرارات الدولية التي تدعو إلى انسحابها من الأراضي التي احتلتها عام 1967. وهي ترفض الامتثال لنصوص اتفاقية جنيف لحماية المدنيين وقت الحرب والتي تحظر على السلطة القائمة بالاحتلال نقل أي من مواطنيها إلى الأراضي المحتلة. فانتشرت المستعمرات اليهودية في الأراضي الفلسطينية إلى أن أصبح عددها يزيد على مائتين وثلاثين مستعمرة يقطن فيها نحو نصف مليون مستوطن يهودي.
وتستمر إسرائيل في استغلال الموارد الطبيعية والمائية الفلسطينية لصالح المستوطنين وسكان المدن الإسرائيلية في حين تقيّد استخدام هذه الموارد من قبل أصحابها الشرعيين. فما يتاح للفلسطيني من مياه، على سبيل المثال، يقل عن ثلث الكمية المزودة للفرد الإسرائيلي رغم أن جزءاً كبيراً من مصادر المياه هذه يستخرج، خلافاً للقانون الدولي، من الأراضي المحتلة ذاتها.
وتقوم إسرائيل بمصادرة أراض فلسطينية لتشييد بنى تحتية في الأراضي المحتلة، كالطرق، يمكن استخدامها من قبل القاصي والداني إلا الفلسطينيين أنفسهم. فباتت الأراضي الفلسطينية المحتلة تمثل الشاهد الوحيد في عصر ما بعد الاستعمار، لممارسات نظام يحاكي نظم الفصل العنصري التي أدانها العالم في القرن الماضي. إن الطرق المشيدة لاستخدام المستوطنين اليهود، والمحظورة على الفلسطيني المسيحي أو المسلم، ربما تكون المكان الوحيد المتبقي في هذا العالم، الذي تعمد السلطات فيه دون استحياء إلى تخصيص استخدام الموارد وفق الانتماء العرقي أو الديني للمستخدم.
أما الفلسطينيون في قطاع غزة المحاصر، فتتضاعف معاناتهم بسبب الحصار الجائر. إذ بات يعاني نحو ثمانون بالمائة من سكان القطاع من الفقر ويعتمدون على المساعدات. وقد قضى المئات من المرضى لعدم توفر العناية الصحية والمعدات والمواد الطبية اللازمة في مستشفيات القطاع جرّاء هذا الحصار. وما زالت إسرائيل تعرقل إعادة بناء المساكن والمرافق الخدمية والبنى التحتية التي دمرتها خلال العمليات العسكرية، وذلك من خلال تقييد دخول المواد اللازمة للبناء تحت ذرائع شتى.
السيدات والسادة الأفاضل،
وتستمر إسرائيل في استغلال الموارد الطبيعية والمائية الفلسطينية لصالح المستوطنين وسكان المدن الإسرائيلية في حين تقيّد استخدام هذه الموارد من قبل أصحابها الشرعيين. فما يتاح للفلسطيني من مياه، على سبيل المثال، يقل عن ثلث الكمية المزودة للفرد الإسرائيلي رغم أن جزءاً كبيراً من مصادر المياه هذه يستخرج، خلافاً للقانون الدولي، من الأراضي المحتلة ذاتها.
وتقوم إسرائيل بمصادرة أراض فلسطينية لتشييد بنى تحتية في الأراضي المحتلة، كالطرق، يمكن استخدامها من قبل القاصي والداني إلا الفلسطينيين أنفسهم. فباتت الأراضي الفلسطينية المحتلة تمثل الشاهد الوحيد في عصر ما بعد الاستعمار، لممارسات نظام يحاكي نظم الفصل العنصري التي أدانها العالم في القرن الماضي. إن الطرق المشيدة لاستخدام المستوطنين اليهود، والمحظورة على الفلسطيني المسيحي أو المسلم، ربما تكون المكان الوحيد المتبقي في هذا العالم، الذي تعمد السلطات فيه دون استحياء إلى تخصيص استخدام الموارد وفق الانتماء العرقي أو الديني للمستخدم.
أما الفلسطينيون في قطاع غزة المحاصر، فتتضاعف معاناتهم بسبب الحصار الجائر. إذ بات يعاني نحو ثمانون بالمائة من سكان القطاع من الفقر ويعتمدون على المساعدات. وقد قضى المئات من المرضى لعدم توفر العناية الصحية والمعدات والمواد الطبية اللازمة في مستشفيات القطاع جرّاء هذا الحصار. وما زالت إسرائيل تعرقل إعادة بناء المساكن والمرافق الخدمية والبنى التحتية التي دمرتها خلال العمليات العسكرية، وذلك من خلال تقييد دخول المواد اللازمة للبناء تحت ذرائع شتى.
السيدات والسادة الأفاضل،
في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، أتساءل مثل الكثيرين منكم: ماذا حققنا لمعالجة وضع يتنافى، بشهادة الجميع، مع الشرعية الدولية، ومع العهود والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان، وأبسط القواعد الأخلاقية؟ ماذا يعني أن نتضامن مع الشعب الفلسطيني وماذا بوسعنا أن نفعل لإنهاء معاناته؟ وإن كنت لا أملك أن أقدم لكم قائمة بجميع أشكال التضامن الممكنة، والتي تتراوح في أقطار العالم المختلفة بين الدعم المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني والإدانة للممارسات الإسرائيلية ومقاطعة منتجات المستوطنات، أكتفي هنا باستعراض ما تساهم به منظمة الإسكوا.
تقوم المنظمة كل عام بإعداد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول انعكاسات الاحتلال الإسرائيلي وممارساته على الحياة اليومية للشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة والجولان. ورغم أن التقرير لا يملك أن يلزم إسرائيل بتغيير ممارساتها إلا أنه يوثق الانتهاكات المتعاظمة لحقوق الفلسطينيين الإنسانية والمدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتدهور المستمر في مستوى معيشتهم.
الإسكوا لا تكتفي بمراقبة الأوضاع وإعداد التقرير السنوي. فالتضامن مع الشعب الفلسطيني بما هو محاولة لإعمال حقوق الإنسان، يتصل بجميع مجالات عمل المنظمة سواء أكان ذلك في فضاء التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أو في قضايا السياسة العامة والتخطيط الاقتصادي. فالتنمية الإنسانية يستحيل أن تتحقق في غياب العدالة والتمتع الكامل بالحقوق، مهما ارتفعت معدلات النمو الاقتصادي. وحيث أن جوهر التنمية البشرية هو الإنسان، وأن غايتها القصوى هي أن يتمتع الناس بحياة حرة منتجة وآمنة وكريمة، فإن الاحتلال، بما هو خنق للحريات وسلب للحقوق، يمنع تعريفاً تحقيق التنمية الإنسانية القابلة للاستمرار.
إلا أن عدم قدرتنا على بناء التنمية المستكملة الأبعاد في ظل الاحتلال، لا يعفينا من تعزيز الجهود لتخفيف وطأة الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني. ومن هذا المنطلق تقوم الإسكوا من خلال القسم المعني بالقضايا الطارئة والنزاعات على تكثيف الجهود الإنمائية والتنموية، رغم جميع الصعوبات. كما تقوم الإسكوا والمنظمات الإنمائية التابعة للأمم المتحدة بتخفيف وطأة الاحتلال من خلال بناء مقومات الصمود الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع الفلسطيني. ولعل هذا أقل ما يستحقه منا الشعب الفلسطيني الصامد في أرضه، والمصر على حقوقه، والمتمسك بالحياة وبالوطن حتى في أقسى الظروف.
إلا أن هذه الجهود حتى وإن تعاظمت، لا تُغني عن السعي لإيجاد حل عادل ودائم. والحل ليس بمستحيل إذا ما التزمت جميع الأطراف بتطبيق القرارات والمواثيق الدولية. فما من احتلال يستمر إلى ما لا نهاية. والشعب الفلسطيني لا ينشد سوى ما أجمعت القوانين والأنظمة الدولية على صيانته لكل شعب من شعوب هذا العالم.
الضيوف الكرام،
تقوم المنظمة كل عام بإعداد تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول انعكاسات الاحتلال الإسرائيلي وممارساته على الحياة اليومية للشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة والجولان. ورغم أن التقرير لا يملك أن يلزم إسرائيل بتغيير ممارساتها إلا أنه يوثق الانتهاكات المتعاظمة لحقوق الفلسطينيين الإنسانية والمدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتدهور المستمر في مستوى معيشتهم.
الإسكوا لا تكتفي بمراقبة الأوضاع وإعداد التقرير السنوي. فالتضامن مع الشعب الفلسطيني بما هو محاولة لإعمال حقوق الإنسان، يتصل بجميع مجالات عمل المنظمة سواء أكان ذلك في فضاء التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أو في قضايا السياسة العامة والتخطيط الاقتصادي. فالتنمية الإنسانية يستحيل أن تتحقق في غياب العدالة والتمتع الكامل بالحقوق، مهما ارتفعت معدلات النمو الاقتصادي. وحيث أن جوهر التنمية البشرية هو الإنسان، وأن غايتها القصوى هي أن يتمتع الناس بحياة حرة منتجة وآمنة وكريمة، فإن الاحتلال، بما هو خنق للحريات وسلب للحقوق، يمنع تعريفاً تحقيق التنمية الإنسانية القابلة للاستمرار.
إلا أن عدم قدرتنا على بناء التنمية المستكملة الأبعاد في ظل الاحتلال، لا يعفينا من تعزيز الجهود لتخفيف وطأة الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني. ومن هذا المنطلق تقوم الإسكوا من خلال القسم المعني بالقضايا الطارئة والنزاعات على تكثيف الجهود الإنمائية والتنموية، رغم جميع الصعوبات. كما تقوم الإسكوا والمنظمات الإنمائية التابعة للأمم المتحدة بتخفيف وطأة الاحتلال من خلال بناء مقومات الصمود الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع الفلسطيني. ولعل هذا أقل ما يستحقه منا الشعب الفلسطيني الصامد في أرضه، والمصر على حقوقه، والمتمسك بالحياة وبالوطن حتى في أقسى الظروف.
إلا أن هذه الجهود حتى وإن تعاظمت، لا تُغني عن السعي لإيجاد حل عادل ودائم. والحل ليس بمستحيل إذا ما التزمت جميع الأطراف بتطبيق القرارات والمواثيق الدولية. فما من احتلال يستمر إلى ما لا نهاية. والشعب الفلسطيني لا ينشد سوى ما أجمعت القوانين والأنظمة الدولية على صيانته لكل شعب من شعوب هذا العالم.
الضيوف الكرام،
إلى أن يأتي اليوم الذي تنتفي فيه الحاجة إلى عقد مثل هذا اللقاء التضامني مع الشعب الفلسطيني، نعدكم أن نستمر في دعم الحق حتى ندركه. والله ولي التوفيق.