انطلاقاً من حاجة الحكومات والمجتمعات اليوم إلى المجتمع المدني كمنظّم للعلاقة بين الدولة والمواطن، دعت الإسكوا إلى عقد اجتماع فريق الخبراء لبحث نتائج وتوصيات الدراسة الصادرة عن قسم التنمية الاجتماعية والتي تحمل عنوان "تحليل مقارن لمشاركة المجتمع المدني في السياسات العامة في دول عربية مختارة". افتُتح الاجتماع اليوم في بيت الأمم المتحدة في بيروت ويشارك فيه ممثلون عن مؤسسات حكومية، وعدد من منظمات المجتمع المدني، وهيئات إقليمية، وهيئات أكاديمية وإعلامية، بالإضافة إلى ممثلي وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
شهدت الجلسة الافتتاحية كلمتين لكل من مدير شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية زياد عبد الصمد، ورئيس قسم التنمية الاجتماعية بالمشاركة في الإسكوا وليد هلال.
أشار عبد الصمد في كلمته إلى أن مفهوم المجتمع المدني لا يزال عامّاً لاسيّما في التمييز بين الشركاء التنمويين الفعليين في المجتمع والقوى التقليدية المقاومة للتطور والتقدم، مضيفاً أن هذا "ما يطرح للبحث مسألة المعايير الموضوعية التي يجب اعتمادها لتقييم المجتمع المدني ولقياس الأثر الذي تحدثه نشاطاته في المجتمع وفي السياسات العامة والخاصة". واعتبر أن الصراع على السلطة بين القوى التقليدية وقوى السوق يجعل المجتمع أسيراً بين اتجاهين للهيمنة، فمن ناحية تسعى القوى التقليدية والمحافظة إلى حماية مصالحها وهيمنتها على مقدرات الدولة، ومن جهة ثانية تسعى آليات السوق الناشئة إلى تعزيز هيمنة سلطة الاقتصاد والمال. وبالإشارة إلى دراسة المقارنة الصادرة عن الإسكوا، قال عبد الصمد إنها مساهمة قيّمة في الفكر المدني وإضافة غنية تساعد على تجاوز الإبهام في تحديد مفهوم المجتمع المدني والأدوار، مما يساعد حتماً على التمكين وتنمية وتوجيه السياسات نحو علاقة فاعلة بين الأطراف المعنية بالتنمية.
من ناحيته، أكّد هلال أنه من أجل معرفة موقع منظمات المجتمع المدني ودورها يجب بداية التعرّف على حصيلة السياسات وتجارب دول المنطقة في علاقاتها مع مجتمعاتها، وبالمقابل تجارب المكوّنات المجتمعية في علاقتها مع دولها. وأوضح أن هناك مظاهر متباينة بشأن نتائج أداء المجتمع المدني، ومدى تأثيره في عمليات صنع القرار، وينطبق ذلك على منظماته المتعاضدة ضمن شبكات عمل، أو تلك المعنية منفردة بتقديم الخدمات العامة والإنسانية (وهي المنظمات الأكثر انتشاراً وقوة بفعل الدعم الخارجي لمواردها)، أو تلك المعنية بالدفاع والمناصرة في القضايا أو المصالح المشتركة مثل حقوق الإنسان والبيئة والإصلاح والفساد والديمقراطية. وأضاف أن هذه الشبكات والمنظمات تعمل وسط ظروف تتراجع فيها القضايا والمصالح المشتركة التي تؤسس لحوار القوى الاجتماعية، تمهيداً إلى توافقها أو تخفيف حدّة الخلاف بينها. وأخيراً، عوّل هلال على هذا الاجتماع للخروج بتوجيهات وتوصيات واضحة لاعتمادها في مسار تعزيز المجتمع المدني وتأثيره الإيجابي في عمليات صنع القرار.
وكانت الإسكوا قد نفذت تحليلاً مقارناً حول نشاط المجتمع المدني ومجالات تأثيره في السياسات العامة بهدف التعرف على تجارب أربعة بلدان عربية في هذا المجال هي لبنان واليمن وفلسطين والأردن.
يعالج الاجتماع، الذي ينهي أعماله يوم غد 2 كانون الثاني/ديسمبر، ثلاثة محاور هي: لمحة بشأن المجتمع المدني والتوجهات الحديثة لوظائفه؛ دراسات الحالة بشأن تدخل المجتمع المدني في السياسات العامة؛ وتأثير تدخل المجتمع المدني في السياسات العامة. ويلي المحور الأخير نقاش مفتوح بين المشاركين حول الخلاصات والاستنتاجات الموجهة إلى صانعي القرار في الحكومات ومنظمات المجتمع المدني لتعزيز المشاركة في عمليات السياسات العامة.