يناقش الوزراء العرب كيفية مواجهة مشاكل بطالة الشباب في المنطقة وذلك في طاولة مستديرة على جدول أعمال الدورة الوزارية الـ24 لـ"إسكوا" التي تعقد من 10 إلى 11 أيار/مايو الجاري في بيت الأمم المتحدة، بيروت، برعاية رئيس مجلس النواب اللبناني السيد نبيه بري.
وتركز الطاولة الوزارية، التي تعقد في تمام الساعة 3:30 من بعد ظهر يوم الأربعاء 10 أيار/مايو، على دراسة تعالج مشكلة تشغيل الشباب في المنطقة العربية من خلال تشخيص هذه المشكلة وعرض أهم أسبابها وسماتها، وإلقاء الضوء على بعض المبادرات التي تمت في الدول المعنية وعرض بعض الخبرات الدولية. كما تطرح الدراسة بعض التوصيات وآليات التنفيذ اللازمة لخفض نسبة بطالة الشباب في دول المنطقة بالتركيز على دور "إسكوا" في هذا الصدد.
وتشير الدراسة إلى أن دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) تتشارك في ارتفاع نسبة البطالة. ففي العام 2003، احتلت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المركز الأول في قائمة نسب البطالة حيث سجلت أعلى المعدلات. وقد بلغت بطالة الكبار 7.8% وبطالة الشباب 25.6% بحيث بلغت البطالة الكلية للمنطقة 12.2%.
وتعتبر الدراسة أن مشكلة البطالة تنعكس في مجموعة من السمات أهمها تَرَكُز البطالة بين خريجي التعليم الثانوي وما فوقه وهي الفئة التي كانت تجد عملا في الحكومة والقطاع العام في الماضي حين كانت معظم الدول تضمن تشغيل الخريجين.
وبالنظر إلى نوع الجنس، ترى الدراسة أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني أيضاً من فجوة كبيرة بين الذكور والإناث من الشباب حيث تبلغ 22.7% للذكور مقابل 31.7% للإناث. وعلى الرغم من الارتفاع المستمر في نسبة مشاركة الإناث في إجمالي القوى العاملة، إلا أن هناك بعض العوامل التي تؤثر على مشاركة المرأة تأثيراً سلبياً مما يسبب التفاوت في فرص العمل المتاحة للجنسين في سوق العمل. وبالنظر إلى السن، يتضح أن الفئات العمرية من 15 إلى 29 سنة تعاني من أعلى معدلات للبطالة في كافة الدول العربية حيث تتراوح بين 18 و30% من مجموع العاطلين عن العمل.
وبحسب الدراسة، تمثل قضية هجرة الأدمغة عبئاً كبيراً على الحكومات إذ تتزايد هجرة الشباب العرب من ذوي الكفاءات من أجل تفادي البطالة ومشكلات أخرى وتتحمل الدول العربية تكلفة إعداد الكفاءات المهاجرة إلى الدول المتقدمة علاوة على تكلفة الفرص الضائعة المتمثلة في العائد المنتظر لمساهمة أصحاب الكفاءات في تنمية بلادهم. وقد أشار تقرير لجامعة الدول العربية إلى استقرار ما يزيد عن 450 ألف من خريجي الجامعات العرب في الدول الأوروبية والولايات المتحدة في العام 2001.
أما عن الهجرة إلى الدول العربية النفطية، فترى الدراسة أنه على الرغم من انخفاض معدل النمو في العمالة الوافدة، فإنها ما زالت تمثل تحدياً أساسياً للعمالة الوطنية حيث تنافسها عمالة وافدة ذات أجور أقل ومهارات أعلى. وبالنسبة إلى انخفاض العمالة الوافدة لتلك الدول، فقد كانت العمالة العربية أكثر تأثراً بذلك الانخفاض من العمالة الآسيوية إذ تشير الإحصاءات إلى أن حجم العمالة العربية في الخليج انخفض بمقدار الثلث خلال التسعينيات بينما زادت العمالة الآسيوية بحوالي 50%.
وتشير الدراسة إلى أن الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل تمثل مشكلة عامة تتشارك فيها كافة الاقتصاديات العربية. فعلى الرغم من الزيادة التي طرأت على متوسط سنوات التعليم خلال العقود الأخيرة، لا تزال المؤشرات تدل على الحلقة المفقودة بين التعليم ونوع العمالة المطلوبة. وتشير الإحصاءات الواردة في الدراسة إلى ارتفاع معدل البطالة في عدد من الدول العربية بين خريجي التعليم الثانوي وما فوقه وانخفاضه في معظم الدول بين غير المتعلمين، حتى أن نسبة البطالة في بعض الدول ترتبط ارتباطاً مباشراً مع مستوى التعليم.
وبحسب الدراسة، تعد ندرة المهارات لدى الشباب من أهم أسباب البطالة. وقد كثرت برامج التدريب في المنطقة من أجل مواجهة النقص في المهارات واستهدفت الشباب من المتسربين من الدراسة، ومن تم تسريحهم من العمل بأعداد كبيرة، والعاطلين لفترات طويلة. وتلقي الدراسة الضوء على بعض تلك التجارب.
وتخلص الدراسة إلى أن أهم العوامل المؤثرة في تشغيل الشباب هو حل مشكلة البطالة بشكل عام وذلك عن طريق تحقيق زيادة في معدل النمو والطلب الكلي. فالحلول الجزئية تقتصر على حل مشكلة بطالة الشباب على المدى القصير فقط، إذ أنها مشكلة ترتبط بالطلب الكلي في الاقتصاد شأنها شأن مشكلة بطالة الكبار. لذا من المهم التركيز على خلق مناخٍ مواتٍ للاستثمار، خاصةً في القطاع الخاص، والانفتاح على التجارة العالمية من خلال تحسين القدرة التنافسية (التي ترتبط بدورها بزيادة المهارات). وفي انتظار تحقيق هذه الحلول الكلية نتائجها، يجب تبني الحلول الجزئية والمتمثلة في مختلف البرامج المرتبطة بالسياسات النشطة لسوق العمل (Active Labor Market Policies – ALMPs) كبرامج تدريب الشباب وسياسات التعليم ودعم التوظيف الذاتي والمشروعات الصغيرة وغيرها. ولعل أشهر تلك البرامج مشروعات الأشغال العامة، والخدمات العامة للتوظيف وخدمات البحث عن عمل.
وتعتبر الدراسة أنه يجب أن تعمل الدول المعنية على النهوض بمستوى التعليم بما يتوافق مع الطلب على العمالة وأن لا تعتمد جودة التعليم على وجود إمكانيات مادية كافية فقط وإنما على أساليب متطورة تخرج شباباً قادرين على المنافسة في سوق العمل.
وتشير الدراسة إلى الحاجة إلى تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مجال التدريب وهذا لا يقتصر على تنمية القدرات والمهارات المتطورة المرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة ولكن يشمل أيضاً تنمية قدرات الداخلين إلى القطاع غير الرسمي أو غير المنظم والذي أثبت قدرته العالية على خلق فرص العمل. كما تشير إلى بعض التجارب الناجحة في هذا المجال ومنها مبادرة "مبارك-كول" في مصر ومشروع "إنجاز" في الأردن.
وختاماً، تقترح الدراسة مبادرتين هامتين لحل مشكلة البطالة تتمثل الأولى في تكوين مرصد إقليمي تتبناه جامعة الدول العربية وتقوم بإنشائه "إسكوا". وتكون مهمة هذا المرصد رصد التجارب الدولية بالتركيز على السياسات التي تعالج مشكلة بطالة الشباب وكذلك المؤسسات التي أثبتت نجاحاً في مواجهة هذه المشكلة؛ وإنشاء قاعدة للبيانات عن موضوع التشغيل والبطالة بشكل عام وانعكاساتها على الشباب في كل الدول العربية بشكل خاص. ويهدف هذا العمل في النهاية إلى تصميم ونشر مجموعة من المؤشرات يمكن من خلالها تتبع معدلات التشغيل. أما المبادرة الثانية، فهي إنشاء صندوق إقليمي لتمويل مبادرات رائدة لتشغيل الشباب. ويجب البدء بدراسة جدوى معمقة لتصميم هذا الصندوق وطرق تمويله وإدارته. ويمكن أن يكون هذا الصندوق ترجمة حقيقية للش